Skip to content

Commentaries
Arabic
مرقس
  
ج: ما هي معاني لقب وظيفة المَسِيْح؟


إنَّ كلمة "المَسِيْح" عِبْرَانِيّة الأصل، ولا تقصد شخصاً، بل هي وصفٌ لرتبة ووظيفة الملوك في العَهْد القَدِيْم، فحتّى الملك الفارسي كورش سُمِّيَ مَسِيْحاً (إِشَعْيَاء 45 : 1). ولم يقتصر هذا الاسم على الملوك فقط، بل ثمَّة رؤساء كهنة وأنبياء بارزون كانوا أيضاً مُسَحَاء ممسوحين بزيت مقدّس. وكانت هذه المسحة رمزاًً لحلول مواهب إلهية على الممسوح، حتّى ينال الحقّ والحكمة والسلطان والرحمة مع جميع الصفات اللازمة، لكي يستطيع القيام بوظائفه وفقاً لمشيئة اللّه.
وبواسطة المُسَحَاء في العَهْد القَدِيْم، أعلن الرُّوْح القُدُس تدريجياً، أنّه سيأتي مَسِيْح فريد، يمكث فيه ملء مواهب اللّه. فإِشَعْيَاء النَّبِيّ أنبأ قبل 700 ق.م. بولادته: "يُولد لنا ولدٌ ونُعطى ابناً. وتكون الرياسة على كتفه. ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام. لنموِّ رياسته وللسلام لا نهاية" (إِشَعْيَاء 9: 6- 7).
ويَسُوْع نفسه أثبت نبوَّة أخرى مِن إِشَعْيَاء، عندما جلس في مجمع النَّاصِرَة وقرأها وفسَّرها عن نفسه إذ قال: "روح الربّ عليّ، لأنّه مسحني لأبشّر المساكين، أرسلَني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحريّة، وأكرز بسنة الربّ المقبولة" (لُوْقَا 4: 18- 19).
وأمام بِيْلاَطُس الوالي الرُّوْمَاني في القدس اعترف جهراً بمَلَكُوْته الإلهي قائلاً: "مملكتي ليست مِن هذا العالم. إنّي ملك. لهذا قد وُلدتُ أنا، ولهذا قد أتيتُ إلى العالم، لأشهد للحقّ. كلّ مَن هو مِن الحقّ يسمع صوتي" (يُوْحَنَّا 18: 36- 37).
من هذه الإثباتات نرى أنَّ يَسُوْع النَّاصِرِيّ ليس واحداً مِن المُسَحَاء الآخَرين، بل هو "المَسِيْح" الحقيقيُّ، مختار اللّه الفريد. لأنَّ فيه تجتمع صفات جميع الملوك والأنبياء والكهنة المرسَلين مِن اللّه. فهو الملك المتواضع الّذي دُفع إليه كُلّ سُلْطَانٍ فِيْ السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ. وهو أعظم مِن جميع الأنبياء الّذين كانوا ويكونون، لأنّه كلمة اللّه المتجسِّد حاملاً في نفسه الوحي الكامل. وهو رئيس الكهنة الحقيقي، حيث صالح بذبيحة نفسه جميع الناس مع اللّه. وهو الوسيط الوحيد الّذي فيه يلتقي الله بالناس.
يَسُوْع هو الملك الكهنوتي الّذي اشترى أهلَ مَلَكُوْته بدمه، ودعاهم إلى رعويته، وبرّرهم، وقدَّسهم، وغيّرهم إلى خليقة جديدة، ليصبحوا كهنوتاً ملوكياً مصلّين مِن أجل العالم العاصي.
وسوف يكون المَسِيْح القاضي في يوم الدين، لأنّه كان، إلى جانب ألوهيته، إنساناً ويَعْلَم ما في الإنسان. وهو القادر على إقامة الموتى كما برهن عمليّاً.
فعظَمة يَسُوْع المَسِيْح تُفجِّر كلّ مقياس بشري. لأنّه هو الكلمة الّذي به خلق اللّه الكلّ. وهو ربُّ العالمين الّذي ينتظر منَّا تسليماً كاملاً له. وله الحقّ في قبول السُّجود، كما قَبِل سجود الّذين شفاهم في الجَلِيْل. وإنَّنا لنجد في اسم "المَسِيْح" خُلاَصَة سلطان اللّه، والقدرة على تنفيذ خطَّة خلاصه.
أمَّا اليهود، في زمن يَسُوْع، فقد عرفوا النُّبُوَّات عن المَسِيْح الآتي غيباً، وترقَّبوا ظهوره بشغف، راجين أن يحرّرهم مِن نير الاستعمار الرُّوْمَاني، الأمر الّذي سبّب سوء فهمهم مقاصد اللّه. فانتظروا فادياً سياسياً وبطلاً يحشد طاقاتهم للبطش بأعدائهم، وليس مخلِّصاً حنوناً وديعاً. وعندما أتى يَسُوْع المَسِيْح متواضعاً بدون سلاحٍ ولا مال، وخالياً مِن أي سلطة دنيوية، يجوب القرى والمدن على قدميه، كارزاً بإِنْجِيْل الخلاص، اغتاظوا، ورفضوا الموعود به، وسلَّموه كثائر سياسي إلى الوالي الرُّوْمَاني ليحكم عليه بالموت في العار. فاليهود ينتظرون حتّى اليوم مَسِيْحاً، يجعل أُوْرُشَلِيْم بالقوَّة محور العالم، ويقيم الموتى، ويرعى الشعوب بقضيب موسى. ولهذا سوف يستقبل كثيرون، بفرح وهتاف، المَسِيْح الكَذَّاب الّذي سيضلّ البشر بحيله الكاذبة، وبهائه الجذّاب، وقدرته المميتة، ملقياً بالأمم في البؤس واليأس.
أمَّا المَسِيْح الحق، يَسُوْع اللطيف الراثي، فغلب جميع التجارب المؤدّية للخطايا في جسده، وأنكر ذاته، وبذبيحة نفسه أوجد غفران خطايانا عند اللّه. وغلب أيضاً شبح الموت، عندما قام مِن القبر صاعداً إلى السماء، حيث يملك عن يمين اللّه في الوحدة الكاملة معه، وسيطاً وشفيعاً لجميع المؤمنين به، الّذين إذْ طهّرهم أعطاهم قوّة روحه هبة ونعمة. وهكذا ينشئ مَمْلَكَة مَحَبَّته وسط بغضة البشر. فالمَسِيْح هو ملك السلام الظَّافِر على كلّ قوَّةٍ تقاوم الله.
وجميع المَسِيْحيين المتواضعين يحملون اسم مَسِيْحهم في قلوبهم. لأنّهم بالإيمان به، وبالمَعْمُودِيَّة على اسمه، حلَّ الرُّوْح القُدُس في كيانهم، حتّى أصبحوا ممسوحين بالمسحة الإلهية، كما نادى بُطْرُس في عيد العنصرة: "توبوا وليعتمد كلّ واحد منكم على اسم يَسُوْع المَسِيْح، لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الرُّوْح القُدُس".

الصَّلَاة
أيّها الإله القُدُّوس، نحمدك لأنّك أرسلت إلينا مَسِيْحك الموعود الّذي حلَّ فيه كلُّ ملء لاهوتك جسدياً. وهو يفوق بصفاته وسلطانه ومجده جميع الملوك والكهنة والأنبياء. نسجد لك لأنَّ المَسِيْح لم يغلب العالم بالأسلحة والمعارك، بل بالمَحَبَّة والتَّوَاضُع، مانحاً أتباعه مسحة الرُّوْح القُدُس. امسحنا نحن أيضاً، لكي نعيش في انسجام مع المَسِيْح. آمين.
السُّؤَال
ما هي أهمّ المعاني في لقب "المَسِيْح"؟