Skip to content

Commentaries
Arabic
مرقس
  
16- الاستهزاء بالمَصْلُوب
(مرقس 15: 29- 32)
15:29وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ،30خَلِّصْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيْب.31وَكَذَلِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ الْكَتَبَةِ قَالُوا خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسَهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا.32لِيَنْزِلِ الآنَ الْمَسِيْح مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الصَّلِيْب لِنَرَى وَنُؤْمِنَ. وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ


جرت العادة عند اليهود أن يزور رئيس الكهنة المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام قُبَيْل إعدامهم، ليَستمع إلى اعترافاتهم وندامتهم قَبل دخولهم إلى جوف الموت، ويَمنحهم المسامحة العامَّة على أساس القرابين الدَّائمة المُقدَّمة في الهيكل لخلاصهم مِن غضب الله الآتي.
لم يعترف يَسُوْع ولم يذرف دموع التَّوبة لأنَّه لم يُخطئ قَطّ، بل صلَّى لأجل أعدائه طالباً الغفران لهم لأنَّهم لم يكونوا يَعلمون ماذا يفعلون. واعتبر المتديِّنون اليهود ومعلِّموهم آنَذَاكَ هذه الصَّلاَة الشِّفَاعِيَّة أكبر تجديفٍ وتَرَفُّعٍ بالذَّات فوق كلّ احتمال، وتقسِّياً إلى أبعد الحدود. فامتلأوا غضباً واحتقاراً، واستهزأوا بالمَصْلُوب استهزاءً مُرّاً.
ارتفعَت حِدَّة الآلام في جسد يَسُوْع، ووخزت عبارات الشَّتائم والسُّخرية قلبه الرَّقيق؛ ووجد الشَّيْطَان الفرصة سانحةً ليجرِّبه بتخليص نفسه، وهزَّ المارَّة رؤوسهم مِن تحت المَصْلُوب العاري ، مردِّدين بشماتةٍ خلاصة الشَّكوى أمام المَحْكَمَة العليا المتضمِّنة قوله إنَّه سينقض الهيكل شخصيّاً ويبنيه في ثلاثة أيَّام.
لم يتذكَّروا حقيقة ما قاله بالضَّبط، ولم يفهموا أنَّه عنى بجسده هيكل الله، بل فكَّروا بالهيكل الفارغ المبني مِن حجارة ميتة، الّذي بدا لهم ضماناً لحضور الله وسط أُمَّتهم.
واستخدم إبليس المُستهزئين العُمي، فحرَّضهم ووسوس لهم أن يخاطبوا المخلِّص المَصْلُوب بقولهم له: "انزل عن الصَّلِيْب. خَلِّص نفسك. خَرِّب المُصالحة الّتي بدأتَها. إنَّها الآلام النَّائبة عن جميع الناس. هُبَّ لنفسك. استخدم سُلطانَك. نَجِّ ذاتك، وأَبِدْ أعداءك..." ولو فعل كما قالوا له لكان الشَّيْطَان انتصر، ولَخَسِرَ الله خلقه نهائيّاً.
وانسجم زعماء الشَّعب ونُوَّاب الأُمَّة مع صرخات قساة القلوب، وطعنوا في خدمة يَسُوْع الخلاصيَّة. قد بذل نفسه فديةً لكثيرين، ومشَى نهاراً وليلاً في القرى والمدن شافياً ومُبشِّراً. أمَّا فقهاء اليهود وكتبتهم فسمّوا شِفَاءَاته إجراءات شياطين. لذلك أرادوا، بواسطة استهزائهم، أن يقتلعوا ويُبيدوا في أتباعهم إيمانهم بقوَّته الإلهيَّة، فنعتوا المَصْلُوب بألقابه المَسِيْحيَّة كلّها، وسمّوه المَسِيْح الممسوح بدون قُوَّة، وملك إسرائيل الّذي لا جيش له ولا شعب. لقد كانوا ينتظرون ملكاً إلهيّاً سياسيّاً يُحرِّرهم مِن نير الاستعمار الرُّوماني.
أمَّا يَسُوْع النَّاصِرِيّ، فبدا لهم ضعيفاً. وعُلِّق ككافرٍ بأيدي الأثمة والمستعمرين. ولذلك اعتقدوا أنَّ الله لم يكن معه ليؤيِّده بقوَّته، وإنَّما على العكس قد صَبَّ جام غضبه عليه ليُهلكه.
وجعلوا يلحُّون عليه، في روح الشَّيْطَان، أن يبرهن على سلطانه، فينزل عن الصَّلِيْب كي تنفتح عيونهم على مَسِيْحيَّته وألوهيَّته، ويُدركوه في سلطانه، ويؤمنوا به بعد إجراء هذه الأعجوبة المستحيلة. لقد سمّوا أنفسهم كهنةً وفقهاء في التَّوراة، وما كانوا في الواقع سوى عمي وصُمّ وبُكم أمام خدمة المصالحة العظيمة الّتي تمَّت في وسطهم وأمام عيونهم؛ كما كانوا قبل كلّ شيءٍ أدواتٍ للشَّر في يدي إبليس.
غلب يَسُوْع هذه التَّجارب الرَّهيبة الّتي هاجمته وهو في ذروة آلامه. فلم يَنزل عن الصَّلِيْب، بل أكمل الخلاص. فكيف، بعد هذا كلِّه، يتشدَّق بعض المتديِّنين زاعمين أنَّ يَسُوْع قد رُفع إلى السَّماء وأنَّ آخَر صُلِب عوضاً عنه؟ لقد فكَّر زعماء اليهود مثل هذا التَّفكير مِن قَبْل، بعد أن حطَّمتهم مَحَبَّة يَسُوْع وأمانته. فكان المَسِيْح لهم أشبه بمَصْلُوب، بل كان فعلاً مَصْلُوباً، وبقي مُعلَّقاً على الصَّلِيْب، وأتمَّ مصالحة العالم بالله.
واشترك المَصْلُوبان عن يمين يَسُوْع وعن يساره أيضاً في لعن يَسُوْع، لأنَّه لم يَقبل أن يُنجِّي نفسه ومِن ثمّ يُنزلهما أيضاً، فيضمّهما إلى جيشه، ويقود الجميع إلى النَّصر المبين. إلاَّ أنَّ أحدهما رأى أنَّ يَسُوْع لم يشتم الّذين استهزأوا به، بل بارك لاعنيه، وأحبَّ مُبغضيه، وصلَّى لأجل أعدائه. وعِنْدَئِذٍ فهم جليّاً أنَّ المَسِيْح لم يكن كاذباً، بل هو مختلفٌ عن الآخرين. هو بالحقيقة ملكٌ وربٌّ وابن الله المنتصِر. فأعلن إيمانه به، ودخل إلى رحابه.
انفصل المتديِّنون المتعصِّبون عن ملكهم، وهرعوا إلى عيد الفصح الموافق يوم السَّبْت، ليحتفلوا بعيدهم الكبير تحت حماية دم حملان الفصح. أمَّا حَمَل الله الصَّحيح فلم يُبصروه... واختفت حقيقته عن عيونهم حتَّى يومنا هذا. فتركوا – في عماهم - رئيس كهنتوتهم ومُصالِحَهُم مع الله.

الصَّلَاة
أيُّها الآب السَّمَاوِيّ، اغفر لجميع الّذين لا يُدركون أنَّ المَسِيْح قد قدَّم ذاته ذبيحةً، أو يُنكرون هذه الحقيقة، أو يُهملونها، لأنَّهم لا يَعلمون ماذا يَفعلون. افتح أعينهم على أعجوبة الصُّلح الإلهي، ليُدركوا عظمة مَحَبَّة المَسِيْح الّذي اختار الألم والموت ليُخلِّص الآخَرين. لم يَنزل عن الصَّلِيْب، بل ثبت أميناً لدعوته. اجعلنا أمناء نحن أيضاً في اتِّباعنا إيّاك، لنحبّ أعداءنا ونخدمهم على الدَّوام. آمين.
السُّؤَال
لماذا طلب زعماء الشَّعب مِن يَسُوْع أن ينزل عن الصَّلِيْب؟