Skip to content

Commentaries
Arabic
مرقس
  
17- انفصال الآب عَن الابن
(مرقس 15: 33- 36)
15:33وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ.34وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوْع بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَنِي، الَّذِي تَفْسِيرُهُ إِلَهِي إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي.35فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا.36فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلأَ إِسْفِنْجَةً خَلاًّ وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً اتْرُكُوا، لَنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ


السَّاعة السَّادسة الّتي ذُكرت في اليوم الحزين هي السَّاعة الثَّانية عشرة ظُهراً، حين تبثُّ الشَّمس عادةً حرارتها من السَّماء الزَّرقاء. ولكنْ في ذلك اليوم وفي تلك السَّاعة هبَّت عَاصِفَة رمليَّةٌ على جبال القدس، فامتصَّت آخر أثرٍ للرُّطوبة من الجسد. دامت تلك الرِّيح السَّاخنة الجافَّة مدَّة ثلاث ساعاتٍ، ثمّ اختفت الشَّمس، وعمَّ الظَّلامُ الكونَ كلَّه.
يقول بعض المفسَّرين إنَّ الظُّلمة كانت نتيجة تزاحم الأَرْوَاح الشِّرِّيْرة على المَصْلُوب، وانقضاض جَهَنَّم بجميع قوَّاتها على حَمَل الله في الغيبوبة، لتقوده في شعوره الباطني إلى خطيئة ما.
لكنَّ يَسُوْع كان ممتلئاً بكلمة الله، بل هو كلمة الله المتجسِّد. ولذلك فاه، حتَّى في غيبوبته، بكلمات مقدَّسَة، إذ ناب الرُّوْح القُدُس عنه بأنَّاتٍ لا يُنْطَق بها.
وفي السَّاعة التَّاسعة، أي الثَّالثة بعد الظُّهر، صرخ يَسُوْع بصوتٍ عظيمٍ. فكانت كلماته على الصَّلِيْب هي الّتي تفسِّر لنا بجلاء ووضوح سر الصَّلِيْب في العمق. فقد شهد الرُّوْح القُدُس بواسطة صرخة المَصْلُوب أنَّ اللهَ القُدُّوس ترك ابنه، وحجب وجهه عن المَصْلُوب، فظهر أمامه إلهاً ديَّاناً لهول الخطايا الّتي حملها عن العالم كلِّه. قد أتت ساعةُ الظُّلمة، بيد أنَّها لم تجد في القُدُّوس حقّاً ولا قوَّةً. فالابن شرب كأس غضب الله حتَّى الثّمالة.
لم يجرؤ الرُّسُل على كتابة العبارة المُخيفة "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" باللُّغتين العِبْرَانِيّة واليونانيَّة، لأنَّ معناها مُخيفٌ فظيعٌ، فدوَّنُوها حرفيّاً باللُّغة الآرامية، وكتبوا بعدئذٍ معناها باليونانية.
كان يَسُوْع يقول: "أنا والآب واحدٌ. هو فيَّ وأنا فيه". وها هو الآن يشهد أنًَّ وحدة المَحَبَّة قد انقطعت، والاتِّحاد الأزليّ انفصل. فصرخ: "لماذا تركتَني؟ لا يُمكن أن يكون هذا... أنت المَحَبَّة ولا تتركني وحيداً".
إنَّ هذه الصَّرخة الّتي نقلها البشيران متّى ومَرْقُس مِن فم المَصْلُوب هي في الواقع عثرةٌ ولُغزٌ مُحيِّرٌ لجميع المتديِّنين والملحدين الّذين لا يُدركون مَعنى صليب يَسُوْع، فيظنُّ بعضهم أنَّ يَسُوْع النَّجَّار صرخ يائساً متشائماً مُداناً مِن غضب الله.
أمَّا نحن، فنرى في هذه العبارة برهاناً على الإيمان بالله وبمحبَّته الثَّابتة لنا نحن الضَّالِّيْن. فقد ضحَّى يَسُوْع بِصِلَتِهِ ووَحْدَتِهِ بالآب كي يُخلِّصَنا نحن البعيدين عن القُدُّوس.
لا يستحقٌّ أيّ إنسانٍ أن يموت عنَّا كحَمَل الله، إلاَّ الله وحده متجسِّداً كإنسان. كان يَسُوْع بريئاً ومستحقّاً وقادراً أن يرفع خطيئة العالم، ويَحمل الدَّيْنُونَة كلَّها. ولكنْ بما أنَّ الله واحدٌ وليس اثنَين، فيبدو أن الله ظهر كالثَّالُوْث الأَقْدَس لأجل فدائنا مُعلناً نفسه الآب والابن والرُّوْح القُدُس، لكي يستطيع الابن الّذي بروح أزليٍّ أن يُقدِّم نفسه لله بلا عيب، ويُطهِّر ضمائرنا مِن أَعْمَال مَيتةٍ لنخدم الله الحَيَّ (عِبْرَانِيّين 9: 14).
إنَّ مَن يُدرك هذا السِّر بمسحة الرُّوْح القُدُس، يَسجد للآب والابن، ويُكرِّس حياته الفاشلة والمُطهَّرة بدم الحمل لخدمة الله. أمامنا اختياران فقط: إمَّا أن نستهزئ بالمَصْلُوب، أو نخدمه شكراً لمحبَّته الأزليَّة.
أمَّا الجند الرومانيون والحراس فلم يفهموا كلمات المَصْلُوب باللُّغة الآراميَّة، وظنّوا أنَّ المحتضر ينادي النَّبِيّ إيليا، فخافوا من ظهور شخص إلهي في الظلمة لمساعدة المَصْلُوب على النزول عن الصَّلِيْب. وصدّوا الرُّحماء من بينهم الّذين شفعوا فيه، وأرادوا أن يُقدِّموا للعطشان في قَلب العَاصِفَة الرَّمليَّة إسفنجة مبلَّلة بالماء والخَلّ. فحالَ إيمانُهُم بظهور أَرْوَاح المَوتى دون تقَدِيْم خدمة إنسانيَّة.

الصَّلَاة
نسجد لك أيُّها الآب لأنَّ قلبك انفطر عندما تركتَ ابنك الوحيد الّذي به سُررت. أنت المَحَبَّة الأزليَّة. نشكرك لأنَّك غفرت آثامنا بواسطة ابنك ، فصبَبْتَ جام غضبك على ابنك عوضاً عنَّا. قَد تركتَه كي لا تتركنا. وانفصَلْتَ عنه كي نَثبُتَ نحن فيك إلى الأبد. نسجُد لك أيُّها الآب والابن والرُّوْح القُدُس، ونُكرِّسُ حياتَنا لك ولخدمتك إلى الأبد بواسطة يَسُوْع المَسِيْح ربِّنا. آمين.
السُّؤَال
ما هو معنى قول المَصْلُوب: "إلهي إلهي، لماذا ترَكتَني؟"