Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
4- ختم الله على إعلان يسوع المسيح
(رؤيا يوحنا1: 8)
1:8أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ, الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ, يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ وَالَّذِي كَانَ وَالَّذِي يَأْتِي, الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ

بعد أن أنهى يوحنا كتابة المقدمة الموجزة وأبرز مجيء المسيح الثاني كهدف لتاريخ العالم، سمع صوتاً جهورياً يقول: "أنا هو". بهذا الإعلان وافق الرب على شهادة عبده وأقرّها وأثبت موضوع رؤياه وفحواها وهدفها.
لا يحتوي العدد الثامن على كلمات بشرية، بل على وحي مباشر من الله. وينبغي لكل إنسان أن يحفظ هذا الإعلان كلؤلؤة ثمينة ويضمّه إلى قلبه. إنّ شهادة الله هذه عن نفسه هي الختم الإلهيّ على كتابة يوحنا.
كلّنا نحيا من كلمة الله "أنا هو" لأنه حيّ ويخاطبنا. وبما أنه يكالمنا اختارنا وجعلنا شركاءه ورفّعنا إلى مستواه الخاص. من لم يسعَ إليه يعِش منفرداً متروكاً بلا هدف.
يظلّ القائل "أنا هو" أساسَ وجودنا. أمّا الذين ينكرون وجود الله فسينكسرون بعبارة "أنا هو" لأنّ المذاهب و الفلسفات والأديان الكاذبة ووساوس الأبالسة ستدان بحقيقة الكائن إلى الأبد.
قال الرب لموسى: "أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ. هَذَا اسْمِي إِلَى الأَبَدِ" (الخروج 3: 13- 16). ويعني هذا الاسم: "اني أنا هو"، أو "سأكون من أكون". ويترجم هذا الاسم باللغة العربية إلى الرب. أكّد الرب لموسى أنه سيسير معه ويرافقه في وسط الصحراء القاحلة.
افتتح الرّب الوصايا العشر بهذا اللقب، وبدأ يسوع بَعْدَئِذٍ كلماته الجبّارة على هذا الأساس: "أنا هو" (يوحنا 6: 35؛ 8: 12، 10: 7 و 11؛ 11: 25؛ 13: 13؛ 14: 6؛ 15: 1؛ 18: 5- 8 و 35؛ رؤيا 1: 27؛ 22: 13). عندما يقول الرّب "أنا هو" يشهد لأبديته وأمانته التي لا تزول وصفاته التي لا تتغيّر، لأنه هو هو إلى الأبد، فيبقى أساس كياننا ومقياساً وهدفاً للجميع.

فسّر الرّب اسمه المستتر بالحرفين الأول والأخير اللذين هما حدّا الحروف الأبجدية كلها. لا يوجد قبله ولا بعده أيًُّ حرف أو كلمة أخرى. وهكذا يبقى الرب نفسه حدّ ومقياس كياننا وثقافتنا وتفكيرنا.
أضاف بعض المخطوطات اليونانية عبارة: "أنا هو الأول والأخير". كان الرب هو الكائن قبل الأكوان وقبل الزمان والمكان، وسيكون موجوداً عندما ينتهي الكون. وكلمته هي الكلمة الأخيرة الفاصلة. يؤخَذ ما يدّعيه الناس والملائكة والأرواح الشريرة على محمل الأهمية. أمّا كلمة الرّب فهي وحدها التي تحسم الحقّ والقيمة واستمرار حياة الأشخاص.

إنّ الاسم الذي يطلق على الله في العهد القديم عادةً هو "الوهيم" الوارد 2600 مرّة في النّص العبراني. وأصل "الوهيم" هو "إِيْل" ومعناها القوّة والقدرة. تظهر لفظة "إِيْل" 238 مرّة في العهد القديم إمّا وحدها أو مركّبة مع كلمة أخرى مثل "ايل رئي" التي تَعني الله يرى، أو "بيت إيل" أي بيت الله، أو "ايليّا" أي إلهي. نجد في اسم "ألوهيم" الضمير "هم" مرتبطاً بالاسم "إيل" الذي يظهر في صيغة الجمع. لذلك يعني اسم "الوهيم" آلهة. يستنتج المسيحيّون من صيغة الجمع في كلمة "ألوهيم" الثالُوْث الأقدس. أمّا اليهود فيسمون صيغة الجمع هذه "جمع الجلالة" pluralis majestatis الذي يعظّم الله الواحد.
أمّا اسم الله الحقيقي الخاص في العهد القديم فهو "يهوه" أي الرّب الذي لن يتغيّر. ويتكرر هذا الاسم 6828 مرّة في النّص العبراني، ومعناه أنّ ربّ العهد أمين وثابت في وعوده وفروضه. فاسم "الرّب" هو المفتاح لفهم لقب ألوهيم "الله"، لأنّ هذا الاسم يرد مرتين ونصف أكثر من اسم "ألوهيم". فكلّ بركة تأتي من الرّب مباشرة (عدد 6: 24- 27). المجد يشعّ من الرب (مزمور 104: 31؛ 138: 5؛ إِشَعْيَاء 40: 5؛ 60: 1؛ حزقيال 1: 28؛ 3: 12 و 23). الرب يدين الشعوب (مزمور 7: 9؛ 50: 6؛ 75: 8؛ 82: 1؛ إِشَعْيَاء 33: 22؛ 1 تَسَالُوْنِيْكِي 4: 6). الرب هو برّنا (ارميا 23: 6؛ 33: 16). الرب راعينا (مزمور 23).

يثبّت يوحنا لكنائسه إعلان الرب عن ذاته، ويؤكّد لهم أنّ الرّب ليس ميتاً بل هو حيٌّ، وأنّه أمينٌ لأتباعه حتّى بعد حرق روما سنة 64 ب. م. واضطهاد المسيحيّين مع صلب بطرس سنة 64 ب. م. وقطع رأس بولس سنة 66 ب. م. وكذلك بعد خراب أورشليم ودمار الهيكل سنة 70 ب. م. مع صلب 30000 يهودي أمام أسوار أورشليم. رغم هذا لم يتغيّر سموّ وقداسة ومحبّة ربّهم، فدينونته عادلة، وكيانه يبقى أساساً للوجود. بدونه يتلاشى الكون. هو القوّة التي توحّد الكلّ وتنظّمه وتثبّته. بما أنه الكائن نكون نحن. وبما أنه يبقى كما أعلن نفسه يثبت رجاؤنا. بدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً، فوجود الرّب إلهنا هو سبب حياتنا وقوّتنا وأفكارنا. بدون كلمته وروحه لا نوجد. ينبغي أن نكرمه، ونسجد له، ونحبّه أكثر من ذي قبل. كياننا مرتبط بكيانه ارتباطاً أبديّاً لن يفصم. فأين شكرنا؟

الرّب هو الخالق وسبب الوجود. خلق الفضاء والسّماوات وأرضنا الصّغيرة وكلّ ما عليها. معجزاته لا تعدّ ولا تستقصى، وحكمته عجيبة. يكتب طلاب العلوم أطروحاتهم ويساعدهم على ذلك الاجتهاد الكمبيوتر الذي يحسب بسرعة البرق؛ ومع ذلك فإنَّ غنى وعمق الحكمة في خليقة الرب لا يستقصيان، ولا يعرف الإنسان كم شعرة (لا تزال) على رأسه (متى 10: 30؛ لوقا 12: 7). مَن يعرف عدد النّجوم بالضّبط؟ ما هو سرّ الحياة البيولوجيّة؟ ومن يدرك كيف يحسّ الطفل بمحبّة أمّه؟ كان ربُّنا قبل بدء الزمان وخلق الكون بكلمته، وقد أوحى لنا بذلك برؤى روحية.

لم يتكلّم يوحنّا عن إلهٍ يرسل لنا إعلاناً عن المستقبل. كلا، فإلهنا يأتي شخصياً. إله عهدنا ليس منجّياً بعيداً، بل يأتي ليتمّم خطة خلاصه. سوف يُحقِّق إعلاناته بحسب النظام الإلهي ويعمل ما يقوله. إنَّه لا يفوّض أُناساً أو ملائكة، بل يأتي شخصياً ويتمّم خلاصه. يبني ملكوته بهدوء ويكمل وعوده كلّها.
يحيا متّقو الله مِن معرفة مجيء ربّهم. وترقّبهم لإتيانه هو ينبوع قوّتهم (إِشَعْيَاء 40: 1- 3 و 19). إنّ الأمر الإلهي بالقيام والاستنارة ينهِض حتى المتعَب و اليائس، لأنّ وصول الرّب وشيك (إِشَعْيَاء 60: 1- 3). يقول يسوع نفسه: "لِتَكُنْ أَحْقَاؤُكُمْ مُمَنْطَقَةً وَسُرُجُكُمْ مُوقَدَةً, وَأَنْتُمْ مِثْلُ أُنَاسٍ يَنْتَظِرُونَ سَيِّدَهُمْ مَتَى يَرْجِعُ" (لوقا 12: 35- 40؛ 1 بطرس 1: 13؛ متى 25: 1). ليتنا نشتاق إلى ربّنا الآتي بالفكر، والصّلاة، والقول، والفعل؛ ونعدّ طريقه بفرح واجتهاد.

لن يظهر الرّب الذي يقترب منّا كانسان ضعيف بدون قوّة، بل سيكون مستعدّاً للغلبة، وهو القدير الحاكم الذي يملك كلّ سلطان في السّماء وعلى الأرض. جيوش ملائكته كثيرة لا تحصى، ولا يحتاج الرب إليها لتدافع عنه، لأنه هو مصدر القوّة الذي يحمل ويحفظ الجميع. أحد أسمائه "إيل" الذي يعني القوّة و القدرة. يدعى في اليونانية "ضابط الكلّ" Pantokrator وهو المالك في كلّ حين، يراقب ويدير ما يرى وما لا يرى، لأنه ربّ العالمين.
يأتي القادر على كل شيء للنصر والدَّيْنُوْنَة وليصنع سلاماً. له سلطان ليتمّم خططه ووعوده. ويشاء أن يحرّر كنيسته من سلطة رئيس هذا العالم ويخلصها. ويقدر أن ينفّذ أحكام دينونته بقوّة، وهو عازم على إقامة خليقة جديدة مبنيّة على البرّ.
3الإنسان المنتظر ربّه حكيمٌ وعادل. لا يوجد بديل للقادر على كلّ شيء. الأسياد الأرضيّون كلهم تحت سلطة الموت، فهم مستكبرون إنْ لم يَخضعوا طوعاً للقدير.
كرّر يوحنا ختم ربّه هذا، أي إعلانه الموجز عن نفسه، ستّ مرات في كتاب رؤياه، كما سمّى الرب الإله نفسه ثلاث مرات بهذه الكلمات (رؤيا 1: 8؛ 4: 8؛ 21: 6) واستعمل الرب يسوع هذا التعبير لنفسه ثلاث مرات (رؤيا 1: 17؛ 2: 8؛ 22: 13).
قصد الرسول إبراز هذا القرار ليوضح أنه لا فرق بين الله الآب والله الابن، فكلاهما واحد. طوبى لمن يقبل وحدة الثالُوْث القدوس في شعوره الباطني ويعترف بها، حتى ولو قال البعض إنّ هذا الاعتراف خطيئةٌ لا تغتفَر.

الصَّلَاة
أيُّها الله القدّوس، نسجد لك ونعبدك بشكر وحمد، لأنّك أساس الكون. خلقت الكلّ، وصالحت العالم الفاسد بنفسك، بموت المسيح الكفّاري، وستأتي لتدين الأحياء والأموات بواسطة ابنك القدوس. أعددنا لاستقباله، وامنح التوبة والإيمان للَّذين يشتاقون إليك حقاً. آمين.
السُّؤَال
كيف أعلن الله نفسه في مطلع رؤيا يوحنَّا؟