Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
3- الاستعداد لعرس الحمل
(رؤيا 19: 7- 10)
19:7لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ, لأَنَّ عُرْسَ الْحَمَلِ قَدْ جَاءَ, وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا.8وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزّاً نَقِيّاً بَهِيّاً, لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ.9وَقَالَ لِيَ, اكْتُبْ, طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْحَمَلِ. وَقَالَ, هَذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللَّهِ الصَّادِقَةُ.10فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ, فَقَالَ لِيَ, انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ. أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. اسْجُدْ لِلَّهِ. فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ.

كان يوحنَّا المعمدان الشَّاهد الأوَّل الذي أدرك المسيح "كحَمَل اللهِ"، وتجمُّعه الرّوحي "كعروسه" (يوحنَّا 1: 29، 36؛ 3: 29). وأحال يوحنَّا تلاميذه التَّائبين إلى يسوع، فقَبِل بعضهم دعوته وتبعوا حَمَل اللهِ. كان هؤلاء في نظر المعمدان "العروس" وكان يسوع المسيَّا "العريس". رفض المعمدان أن يربط بنفسه الذين اعتمدوا له لأنَّّه كان متفهِّماً دوره كسابقٍ وخادمٍ لربِّه (يوحنَّا 1: 8، 20، 23، 26- 27؛ 3: 28- 30). كان واضحاً عند يوحنَّا أنَّ بدون توبة وتطهير مِن الخطيَّة لا يستحقُّ أحدٌ أن يُضاف إلى "عروس ابن الله".
تحدَّث يسوع في مثَلٍ عن عشر عذارى، خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٌ, وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٌ (متَّى 25: 1- 13). كنَّ جميعاً بالمعنى الرّوحي عذارى ومترقِّبات مجيء العريس الإلهي. ولكنَّه تأخَّر، فتعبنَ جميعهنَّ ونمنَ. لم يكن عند أيٍّ منهنَّ النَّشاط لانتظار وصول مَن اشتقنَ له. ومع ذلك كلِّه يمكن رؤية الفرق بين العذارى الحكيمات والجاهلات. كنَّ جميعاً قد تبنَ ونلن الغفران عن خطاياهنَّ، بَيْدَ أَنَّ نصفهنَّ فقط كان عقلهنَّ الباطن ممتلئاً بزيت الرّوح القُدُس. نصفهنَّ فقط نموا في الإيمان وفي المحبَّة، نصفهنَّ فقط استذكرن حقائق عظيمةٍ مِن الكِتَاب المُقَدَّس. وظنَّت العذارى الخمس الأُخَر أنَّ تطهُّرهنَّ الأصلي يكفيهنَّ للزَّمان كلِّه. لم يقرأنَ باهتمامٍ رسائل عريسهنَّ، ولم يستذكرنَ كلامه، فانطفأ زيت الرّوح القُدُس في أثناء ليل انتظارهنَّ الطَّويل. كنَّ داخلياً فارغات، وروحيّاً متخلِّفات. ولكنَّ الرّبّ يريدنا أن نكون أقوياء فيه وفي قوّة قدرته (أفسس 6: 10؛ 1 يوحنَّا 2: 14).
كان هوشع وإرميا وحزقيال وإِشَعْيَاء قد شهدوا في العهد القديم أنَّ أمّتهم
تشبه امرأةً ارتبط الله بها إلى الأبد، ولكنَّها لم تبقَ أمينةً لإله وعدها. إنَّ غضب الله على هذه المرأة الخائنة، ومحبَّته الأمينة وغير المتغيِّرة لها يُنيران تاريخ أمَّة العهد القديم الحافل بالتَّوتُّرات (إِشَعْيَاء 54: 6؛ إرميا 3: 6- 10؛ 13: 22، 25- 27؛ 44: 15- 19؛ حزقيال 16: 15- 34؛ 23: 37؛ هوشع 2: 4- 25). ولكن لم يُذكَر في أيٍّ مِن أسفار العهد القديم "عروسٌ" أو "عرسٌ" عند الله، فمثل هذه العبارات مِن شأنها، في ذلك الوقت، أن تؤدِّي إلى ظنونٍ نجسة وتلميحات شرِّيرة.
تبقى الشَّهادة "لعرس الحمل" (رؤيا 19: 7) حدثاً مثيراً يختصُّ به العهد الجديد. ألمع بولس إلى أنَّ العلاقة بين المسيح وكنيسته هي سرٌّ عظيمٌ (أفسس 5: 32). وأعلن رسول الأمم أنَّ يسوع أحبَّ كنيسته وبذل حياته لأجلها. فهو يُقدِّسها بماء المعمودية بواسطة كلمته لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً, لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ, بَلْ مُقَدَّسَة وَبِلاَ عَيْبٍ (أفسس 5: 25- 27). لقد فهم بولس أيضاً، مثلما فهم يوحنا المعمدان سابقاً، خدمة إرساليَّته كطلب عروس للرّبّ يسوع. فأراد أن يقود الرِّجال والنِّساء مِن المدن والقرى إلى المخلِّص كعذارى عفيفات (2 كُوْرِنْثُوْس 11: 2).
الصّلاة: نشكرك أيّها الآب السماوي، لأنك إرتبطت شبيه للزواج بالمعنى الرّوحي بالمؤمنين في العهد القديم، وثبتت آمينا لهم رغم أنهم لم يثبتوا أمناء لك. نعظمك لأنك قبلت في العهد الجديد جميع التائبين المطهرين بدم المسيح كأنهم عذارى روحيا، الذين يترقبون مجيء إبنك القدّوس. آمين.

تُظهِر رسائل بولس الرَّسول إلى أهل أفسس وأهل كُوْرِنْثُوْس أنَّه بإشارته إلى "العروس" لم يكن يُفكِّر فقط في المسيحيين اليهود في نهاية الزَّمان. إضافةً إلى ذلك ينبغي لكلِّ مسيحيٍّ، سواء كان في الأصل يهودياً أو وثنياً، أن يتقدَّس كلياً حتَّى يحلّ يسوع فيه ويُخلِّصه إلى الأبد.
في العهد الجديد ارتبط المسيح بكنيسته المؤلَّفة مِن يهود وأمم. وهي متَّحدة به شرعياً اتحاداً أوثق مِمَّا يستطيع عقد الزَّواج أن يوحِّد بين اثنين. لقد كانت مملوءة منه روحيّاً. وبالنِّعمة نالت نصيبها مِن كماله ومحبَّته. وهي لا تتمتَّع بهذا الامتياز على نحوٍ مستقلٍّ عنه، بل فقط بالشَّركة المستمرَّة مع يسوع (يوحنَّا 15: 5؛ أفسس 3: 16- 19؛ كولوسي 2: 9- 10).
استخدم بولس تشابيه وصوراً متعدِّدة ليُصوِّر سر اتِّحاد المسيح بكنيسته. أُفضي له بسرٍّ في إعلانٍ خاصٍّ أنَّ المسيح هو الرَّأس والكنيسة هي جسده الرّوحي. ويعيش الاثنان معاً في وحدةٍ تامَّةٍ في روحه (رومية 12: 5؛ 1 كُوْرِنْثُوْس 12: 27؛ أفسس 3: 3؛ 4: 25؛ 5: 30).
يرى بعض مفسِّري الكِتَاب المُقَدَّس أنَّ ثمَّة فرقاً جوهريّاً بين "تركيبة الجسد" عند بولس و"تركيبة العروس" في سفر الرّؤيا (رؤيا 19: 7)، فيرون في اليهود المسيحيين المُضطَهَدين في نهاية الزَّمان وفي الشُّهداء في الأراضي المقدسة "العروس المقدَّسة" التي سيأتي يسوع بها معه عند مجيئه الثَّاني. وهم مقتنعون أنَّ معظم الأحداث المُعلَنَة في سفر الرّؤيا تتعلَّق بشعب العهد القديم فقط. ولكنَّ هذا التَّفسير يُناقض شهادة بولس الرَّسول القائل إنَّه ليس ليسوع جسدان مستقلاَّن، بل جسدٌ واحدٌ فقط. فكنيسته مكوَّنةٌ مِن مسيحيين يهود إضافةً إلى مؤمنين مِن الأمم. وهؤلاء يُقيمون معاً وحدةً متلازمة لا انفصال فيها (غلاطية 3: 28؛ أفسس 2: 11- 22؛ 3: 6). إنَّنا لا نريد أن نفصل ما وحَّده روح يسوع المسيح. ليس ثمَّة "روحان قُدُسان" منفصلان لله، ولا جسدان روحيان ليسوع المسيح. لقد أُدخل جميع المولودين ثانيةً مِن قِبَل روحه الواحد الأوحد.
يصف مَثَل عرس الحمل في سفر الرّؤيا الاتِّحاد المنظور لابن الله بالأعضاء المرتبطين به بالإيمان (1 يوحنَّا 4: 16). وما ابتدأ بطريقةٍ غير منظورةٍ في الرّوح القُدُس سيُصبح منظوراً في المجد (1 يوحنَّا 3: 1- 2). سنرى يسوع كما هو، وسيُحرِّرنا مجده مِن جهادنا الدُّنيوي ويجعل وجودنا الجديد في الرّوح القُدُس منظوراً (1 كُوْرِنْثُوْس 15: 36- 57).
بالإضافة إلى ذلك، نقرأ في سفر الرّؤيا 21: 2، 9- 11 أنَّ عروس الحمل ليست مجموعةً خاصَّةً مِن المؤمنين أو الشُّهداء، بل هي "أُوْرُشَلِيْم السَّماوية"، شركة جميع القديسين مع الآب والابن. وهذه الرُّؤية الجديدة تُنهي المناقشة حول مسألة تركيبة العروس أو الجسد، وتأخذنا إلى أُوْرُشَلِيْم الجديدة، القاسم المشترك لجميع أمثال وأوصاف كنيسة يسوع المكوَّنة مِن يهود وأمم على حدٍّ سواء.
لا يتحدَّث سفر الرّؤيا في أيِّ مكانٍ عن "عروس ليسوع المسيح"، بل عن "عروس الحمل الذي ذُبِح". وليس لحَمَل اللهِ ولا لعروسه معنى دنيوي تجريبي في سفر الرّؤيا. وفوق ذلك ينبغي فهم العبارات بطريقةٍ روحيَّةٍ. إنَّ المسيح في لحظة موته قدَّس بدمه كنيسته، عروسه بأكملها (عِبْرَانِيِّيْنَ 10: 14).

ينبغي لنا، كعروس الحمل، أن نتجهَّز للموعد القريب جدّاً مع ملكنا ومخلِّصنا. في الشَّرق تُعتبَر العروس شرعياً زوجة الرجل الموعود عندما تكون قد وُعدَت في الخطبة (هوشع 2: 21- 22).
بنبغي لكلِّ مَن يريد أن يستعدَّ لملاقاة حَمَل اللهِ ألاَّ يحاول تلميع صورته بغطرسة واستكبار كما فعلت بابل الزَّانية، بل أن يستفسر أوَّلاً عن الأذواق التي تُرضي العريس، ومن ثمَّ يتزيَّن لأجله فقط. إنَّ كلَّ مَن يجعل نفسه عظيماً هو في الواقع صغيرٌ. تصبُّ العروس اهتمامها وتُركِّز ذاتها على رفيق حياتها المُقبِل، وهو يُركِّز تفكيره واهتمامه وذاته عليها. وهذا معناه روحيّاً أن نتخلَّص مِن كلِّ كذبٍ ونجاسةٍ وسرقةٍ واستكبارٍ وإثمٍ؛ فنعترف بها أمام الله، ونعمل بقدر الإمكان مصالحة ورجوعاً حتَّى لا يُثقل شركتنا مع يسوع أيُّ إثمٍ خفيٍّ. وكما لعرس دنيوي، كذلك في ارتباطنا الأبدي بيسوع نريد أن نتأكَّد أنَّ آثامنا قد مُحِيَت. لا بدَّ مِن إظهار كل خطأ وإلاَّ فلن تكون ثمَّة راحة داخلية (1 يوحنَّا 1: 8- 10).
أوضح الملاك الذي ألهب يوحنا حماساً أنَّ العروس لا تقدر أن تزيِّن نفسها، أمَّا أثواب البِرِّ والخلاص والسَّلام فيُعطيها الله (رؤيا 19: 8). إنَّ تقديس شخص مرتبط بالمسيح يبقى مِن النِّعمة ولا يمكن أن يأتي بواسطة أي مبادرة شخصيَّة (فيلبي 2: 12- 13). وتشير أثواب العروس البيض الثَّمينة إلى برِّها النقي الناصع في الله المُعَدّ لها بواسطة موت الحمل الكفاري البديلي. مِن تلك الذَّبيحة تتدفَّق أعمال محبَّته التي يُريد روحه أن تتحقَّق فينا (رومية 8: 14؛ أفسس 2: 10). ينبغي أن تصبح العروس مساويةً ليسوع في التَّواضع والوداعة والرَّغبة في الخدمة والمحبَّة والحقِّ والطَّهارة والقداسة (متَّى 11: 29؛ رومية 13: 14؛ كولوسي 3: 12- 13). وثمر الرّوح القُدُس يدفع فيها إلى النُّضح (غلاطية 5: 22؛ أفسس 5: 9). بنقصاننا يزداد المسيح فينا (يوحنَّا 3: 30). قال المسيح: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي, فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا, وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا (متَّى 16: 24- 25).
إنَّ نكران الذَّات وامتحان الذَّات الرّوحيّين هما نعمةٌ مبهجةٌ. وقد أدرك النبي إِشَعْيَاء سابقاً في العهد القديم الفرح العظيم الذي يتملَّك الشَّخص التَّقي الذي يكتسي ويتزين بنعمة الله: فَرَحاً أَفْرَحُ بالرّبّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي, لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ, مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ, وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا (إِشَعْيَاء 61: 10).
أهمُّ السّؤال يُطرح على العروس هو: هل تنتظرين بفرحٍ لقاءك مع يسوع؟
هل أنت مشتاقةٌ له؟ هل أفكارك مشغولةٌ به هو أجمل الكُل؟ هل تعيشين على أمل مجيئه حالاً وهل أنت ممتلئة بالفرح المرتقب لهذا الوقت المجيد؟ هل تهيِّئين عن علمٍ ودرايةٍ نمط حياتك الجديد مع مخلِّص العالم في ذهنك؟ هل تريدين أن تعيشي إلى الأبد معه، أم تحبين أن تبقي رهينة طريقتك القديمة في الحياة وحياتك تدور حول ذاتك؟ امتحني نفسك في الرّوح القُدُس واطلبي إلى يسوع أن يُتمِّم فرحه فيكِ. ثم اشتاقي إليه تماماً مثلما اشتاق هو إليك دائماً لأنَّه يُحبُّكِ (مرقس 10: 21؛ يوحنَّا 3: 16، 17، 22، 23؛ رومية 8: 37؛ غلاطية 2: 20؛ أفسس 2: 4- 7؛ 1 يوحنَّا 4: 19؛ رؤيا 1: 5؛ 3: 9؛ 22: 17).
الصّلاة: أيّها الرّبّ يسوع المسيح، أنت عريسنا بالمعنى الرّوحي ونحن عروسك المختارة. لقد طهرتنا بدمك الثمين، وبرّرتنا ببرّ الله، لكي نستحق أن نرتبط بك إلى الأبد، ومنحت لنا روحك القدّوس ، لنتقدس لتشريفك، ونشتاق لمجيئك القريب. آمين.

أصغى الشَّيْخ الجَلِيْل يوحنَّا حابساً أنفاسه، وهو منفي في جَزِيْرَة بَطْمُس، إلى رسالة الملاك. وكان الكثير ممَّا رآه وسمعه وكتبه يتجاوز فهمه البشري. ولذلك أملى الملاك على النَّبي خلاصة إعلانه الخاص بجملةٍ واحدةٍ بليغةٍ وزاخرةٍ بالمعاني: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْحَمَلِ (رؤيا 19: 9).
وحتَّى يفهم يوحنَّا عمق هذا الوعد، أكَّد الملاك له أنَّ هذا الوعد الضَّخم يتضمَّن كلام الله الذي كان قد خرج مِن فمه (متَّى 4: 4). وكلامه مملوءٌ قوّة وحقّاً وتعزيةً.
نقرأ الكلمة العظيمة الغامضة "طوبى" ثمان مراتٍ في سفر الرّؤيا (رؤيا 1: 3؛ 14: 3؛ 16: 15؛ 19: 9؛ 20: 6؛ 21: 24؛ 22: 7، 14). جديرٌ بنا أن ندرس ما طُوِّب وبورك في نهاية الزمان وأن نؤمن به ونعيشه، لأنَّنا بذلك نختبر غنى هذه الوعود الرائعة. تتضمَّن الكلمة "بركة" إعلانات متعددة لنعمة الله: الذي يتقدَّس يُبارَك ويوهَب له ملء الله (أفسس 3: 16- 19). وعلى الرَّغم مِن الألم كلِّه يعيش في فرح وبهجة الرّوح القُدُس المعزِّيين (فيلبي 4: 4)، ويمكنه أن يفتخر بربِّه (1 كُوْرِنْثُوْس 1: 30- 31) ويكون مستحقّاً أن يحيا معه ولأجله (1 كُوْرِنْثُوْس 2: 9- 10). والمطوَّبون يشتركون ببهجةٍ على مائدة الرّبّ (مزامير 23: 1- 6؛ يوحنَّا 10: 27- 30)، وسلام الله مسرَّته يحلاَّن عليهم (لوقا 2: 14).
أكَّد كلام الملاك ليوحنَّا أنَّ جميع مظاهر السَّعادة الأبدية المذكورة وأكثر منها بكثير ستتحقَّق في المدعوِّين إلى عشاء عرس الحََمَل.
وصف يسوع بكلِّ وضوحٍ الدَّعوة المميَّزة إلى عرس ابن الملك (متَّى 22: 2- 14)، وكشف الحقيقة المرَّة أنَّ الذين كانوا مدعوين أصلاً أتوا بأعذارٍ مريبة ولم يكونوا راغبين في المجيء. أمَّا البؤساء وغير المستحقين، الخطاة والغرباء، المطرودون والجياع، فقبلوا دعوة الملك بسرورٍ؛ ولذلك قال الرّبّ: كَثيرُوْنَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلُونَ يُنْتَخَبُونَ.

إنَّه لشرفٌ كبيرٌ لا يستحقُّه أيُّ ضيفٍ مِن المدعوِّين أن يدعوه ابن الله،
لأجل آلامه وموته، إلى الجلوس إلى المائدة معه ومع أبيه. الخطيَّة التي كانت تفصل قد أبطلها ومحاها حَمَل اللهِ. ولا شيء بعد يفصلنا عن الآب والابن والرّوح القُدُس. إنَّ لنا الامتياز أن نجلس إلى المائدة مع جميع القديسين، مع إبراهيم وموسى وإِشَعْيَاء، مع بطرس ويوحنَّا وبولس (متَّى 8: 11؛ 26: 29).
إذا سأل أحدٌ ما هو الطَّعام الذي سيؤكَل في عشاء عرس الحَمَل، سنُذكَّر
بحَمَل الفصح الذي كان يُشوى وتأكله العائلة كلَّه. عند الشُّروع في تناول عشاء الرّبّ ضمن خلفيّة فريضة الفصح هذه قال يسوع:

إنَّ ما نحفظه على الأرض كفريضةٍ مقدَّسةٍ يُكمَّل بكلِّ واقعيَّةٍ في السّماء. الحَمَل الذي ذُبح لأجلنا سيحلُّ فينا ويملأ كنيسته كلَّها فيه (يوحنَّا 6: 53- 58؛ كولوسي 2: 9- 10). ما مِن متعٍ دنيوية على مائدة الرّبّ كما يتصوَّر المسلمون جنَّتهم، بل ثمَّة تحقيقٌ لحالة الإيمان في الصّلاة يسوع كرئيس كهنة: وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي, لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ (يوحنَّا 17: 22- 23).
في هذا المكان في رؤيا يوحنَّا تحوَّلت صورة عروس الحَمَل إلى دعوة لضيوف العرس. إنَّ العروس والعريس، بدون شكٍّ وبطريقةٍ منطقية محض، مختلفان ومتميِّزان كلِّياً عن الضُّيوف المدعوِّين إلى العرس، ولكن مِن وجهة روحيَّة يسعى كلاهما إلى هدفٍ واحدٍ: اتِّحاد حَمَل اللهِ التَّام بأحبَّائه. يختبر الضُّيوف النِّعمة نفسها كالعروس أن يتَّحدوا إلى الأبد بالله وابنه (1 يوحنَّا 4: 16). والاتحاد بيسوع وأبيه هو السَّبب الحقيقي لسعادة القديسين وغبطتهم.
الصّلاة: أيّها الرّبّ يسوع المسيح، نسجد لك، لأنك منحت لنا أثناء العشاء الرّبّاني الدنيوي أن نأكل سرّ جسدك ونشرب سرّ دمك، لتسكن فينا، وتتعاون معنا لتمجيد إسمك القدّوس. نشكرك لمحبتك، ولذبيحة ذاتك، ولتوحيدك الرّوحي معنا. ساعدنا حتى يتحد معك كثيرون من المدعوين. آمين.

تأثَّر الشَّيْخ الجَلِيْل العجوز جدّاً بظهور الملاك البهي وبما سمعه حتَّى إنَّه
خرَّ أمام رجليه ليسجد له (رؤيا 19: 10). كان يوحنَّا في الرّوح ولم يكن متمالكاً أو ضابطاً نفسه.
أمَّا الملاك فأثبت سلطانه وإرساله بمنعه يوحنَّا فوراً مِن السُّجود له. لا يُقرُّ الكِتَاب المُقَدَّس أيَّ عبادة للملائكة. باح رسول يسوع بسرِّه واعترف قائلاً: أنا عبدٌ لربي وخادمه مثلك ومثل جميع إخوتك وأخواتك المولودين ثانيةً في الرّوح القُدُس. إنَّك تميِّز المولودين مِن الرّوح بالحقيقة أنَّهم جميعاً يحملون شهادة المسيح في قلوبهم. إنَّ روح الابن يتكلَّم فيهم قائلاً: يَا أَبَا الآبُ. ويَشْهَدُ روحُ الله لروحهم أنَّهُم أَوْلاَدُ اللَّهِ (رومية 8: 15- 16؛ أفسس 1: 13- 20).
المسيحيون هم عبيد المسيح المُقادون بالرّوح. لقد نالوا البصيرة والفهم الرّوحيّين في حقيقة الله وحالة الضلال التام لجميع الناس. وبما أنَّهم يعرفون الله يحملون المعيار الصحيح للحياة والموت فيهم (متَّى 5: 48). طمأن يسوع تلاميذه قائلاً: وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ, رُوحُ الْحَقِّ, فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ, لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ, بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ, وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي, لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ (يوحنَّا 16: 13- 15). إنَّ كلَّ مَن يدع كلمات يسوع النّبوية هذه تعمل في قلبه سيكون سعيداً وواثقاً بالحقيقة أنَّ روح الآب والابن يُكلِّم المسيحيين المولودين مِن الرّوح مرشداً إياهم إلى تمجيد الحَمَل. ينال المسيحيون، بقراءتهم الإنجيل، الوحي والقيادة الرّوحية. وهم قادرون على تكريم الآب الذي في السّماء وابنه المحبوب بالمحبة والقول والفعل والصَّبر في قوّة الرّوح القُدُس (متَّى 16: 17؛ يوحنَّا 16: 13؛ أَعْمَال الرُّسُلِ 16: 6- 10؛ رومية 8: 1، 9، 14، 26- 27).
دعا ملاك الرّبّ يوحنَّا بوضوح إلى السُّجود لله (رؤيا 19: 10). كرِّس نفسك له وحده. وفي وسط كل ابتهاج الرّوح الذي يقودك، أدرك برزانةٍ أنَّه لا يجوز لك أن تسمح لنفسك أن تذهلها وتلهيها الملائكة المجيدة. في حَمَل اللهِ وحده تُدرك محبَّة الآب لجميع البشر (يوحنَّا 3: 16). هل تتركك ذبيحته الذَّاتية بارداً؟ هل تعوَّدت بقراءتك الإنجيل محبَّة الله العظيمة التي يتعذَّر فهمها، أم إنَّك مدلَّلٌ؟ اسْجُدْ لِلَّهِ.
الشَّيطان أيضاً، ذات مرَّةٍ تلقَّى هذا الأمر مِن يسوع (متَّى 4: 10- 11). ولكنَّ هذا الأمر بدلاً مِن جعله يسجد لله وابنه، جعله يهرب. في السُّجود لله ليس ثمَّة مكانٌ لقوى أخرى بجانبه.
ينبغي أن يقودنا رؤيا 19: 1- 10 وأجواق هللويا العظيمة في السّماء معاً إلى السُّجود لله وحَمَله. إنَّ بابل الزَّانية التي رفضت السُّجود لله المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ، وحاربته بدلاً مِن ذلك، قد أُهلكت. أمَّا عروس الحَمَل وضيوف العرس جميعاً فسيكونون، في الشَّركة مع الآب والابن والرّوح القُدُس، مبارَكين وقدِّيسين.

الصَّلَاة
أبانا الذي في السماوات، نشكرك من صميم قٌلوبنا، ونسجد لك لأجل محبتك العظيمة لنا، وكلمتك القوية، وإبنك الحبيب، وروحك المُحيي. قد أخترتنا في المسيح لنكون أولادا لك بالحق والرّوح. وخلصنا يسوع بنعمتك، لنصبح حمدا لرحمتك. إمنح التوبة والخلاص لأقربائنا وأصدقائنا، لكيلا يهلكوا، بل يشتركوا في جوقات التسبيح متهللين معنا. آمين
السُّؤَال
لماذا كانت في مثل المسيح نصف العذارى حكماء والنصف الآخر أغبياء؟ لماذا يترقب أتباع يسوع المسيه مجئ ربهم ومخلصهم؟ كيف تزيّننا ألبسة البرّ لإستقبال عريسنا؟ ماذا تعني دعوتك إلى عشاء عرس حَمَل الله في السّماء؟ لماذا لا يجوز أن نسجد للملائك أو أرواح غريبة إلا بالرّبّ الإله؟