Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
2- بيانات عن الأَلْف السَّنَةِ في سفر الرُّؤْيَا
(رؤيا 20: 1- 4)
20:1وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلاً مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ.2فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ الْحَيَّةِ القَدِيْمةِ الَّذِي هُوَ إِبْلِيْس وَالشَّيْطَان وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ3وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْف السَّنَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لاَ بُدَّ أَنْ يَحُلَّ زَمَانًا يَسِيرًا4وَرَأَيْتُ عُرُوشًا فَجَلَسُوا عَلَيْهَا وَأُعْطُوا حُكْمًا وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوْع وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ المَسِيْح أَلْفَ سَنَةٍ.


إنَّ آيات سفر الرُّؤْيَا السِّت التي تتحدَّث عن السَّنوات الألف (رؤيا 20: 1- 6) لا تلخِّص، خلافاً لما نتوقَّع، سوى موضوعين رئيسَّين مع مجرَّد ضربات موجزة عن خلفيَّةٍ غير محدَّدة. ويبدو كلُّ شيءٍ آخَر ليُوْحَنَّا أمراً لا يستحقُّ الذِّكر.
1- يكتب يُوْحَنَّا عن تقييد الشَّيْطَان فلا يقدر أن يُضلُّ الأمم بعد. وبعد ألف سنةٍ يُطلق ثانيةً ضدّ الأُمم الذين كانوا حتَّى هذا الوقت محفوظين مِن تجاربه، ومِن ثمَّ سيُهلَك حتماً.
2- تبدو قيامة أرواح شهداء زمن الاضطهاد مِن قبل ضدّ المَسِيْح أهمَّ حدثٍ بالنِّسبة إلى يُوْحَنَّا خلال الأَلْف السَّنَةِ. وهو يصف كيف يجلس القدِّيسون بأجسادهم الرُّوْحية على عروشٍ ليملكوا كملوكٍ كهنةٍ مع المَسِيْح آلاف السِّنين على الأمم.
في الآيات السِّت المذكورة أعلاه لا يُروى أيُّ شيءٍ على نحوٍ يُوحي بالتَّناقض عن يَسُوْع المَسِيْح وجنده السَّمَاوِيّ. هل رجع الرّبّ، بعد هلاك ضدّ المَسِيْح ونبيِّه الكذَّاب، إلى عرش أبيه، وهل سيملك عِنْدَئِذٍ على العالم مِن السَّماء؟ أم هل اختار أُوْرُشَلِيْم كرسيّاً للحكم وأقام عرشه هناك كما توحي بذلك وعود أنبياء العَهْد القَدِيْم؟ أم إنَّه ليس حاضراً فقط فِيْ السَّمَاءِ بل عَلَى الأَرْضِ أيضاً حيث إنَّه لا زمان ولا مكان في الأبديَّة؟
لا يوضح يُوْحَنَّا هل مجيء المَسِيْح الثَّاني ليُهلك ضدّ المَسِيْح هو تمهيدٌ لرجوعه الحقيقي الذي يقوم فيه، بحسب قوانين إيماننا، جميع الأموات وتبدأ الدَّيْنُوْنَة الأخيرة لكلِّ واحدٍ. أو هل وصف مجيئه كديَّان ابن الشِّرير هو مظهرٌ واحدٌ فقط لمجيئه المُقبل في المجد؟
لم يعلم يُوْحَنَّا في رؤياه هل ينبغي تفسير قيامة شهداء زمن اضطهاد ضدّ المَسِيْح وتتويجهم كخطوةٍ متوسِّطةٍ قبل مجيء يَسُوْع المحدَّد الذي بواسطته تتحقَّق وعود العَهْد القَدِيْم ويُمنَح شعب إسرائيل، خلال حكومةٍ مؤقَّتةٍ على جميع الأمم، فترة اختبارٍ قبل مجيء يَسُوْع المحدَّد.
أين ستُقام عروش القدِّيسين والشُّهداء؟ في أُوْرُشَلِيْم، أم في بلدانٍ مختلفةٍ عَلَى الأَرْضِ، أم فِيْ السَّمَاءِ مع المَسِيْح؟ لم يَعلَم يُوْحَنَّا شيئاً عن مكان كرسيِّ حكومة القدِّيسين الذين يملكون مع المَسِيْح على البشر.
يلزم يُوْحَنَّا الصَّمت أيضاً حيال السّؤال هل إنَّ ملكوتاً أرضيّاً للمَسِيْح ضروريٌّ بأيَّة حالٍ؟ لقد استشهد في إنجيله بشهادة يَسُوْع أمام بيلاطس: مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا (يُوْحَنَّا 18: 36). إضافةً إلى ذلك كان يُوْحَنَّا قد دوَّن في إنجيله بيان يَسُوْع أنَّ الأشخاص المولودين ثانيةً هم وحدهم القادرون أن يروا ملكوت الله ويدخلوه (يُوْحَنَّا 3: 3، 5). تبدو سنوات المَسِيْح الألف ليست فقط ملكوتاً روحيّاً بحسب سفر الرُّؤْيَا، بل أرضيّاً أيضاً وهذا ما يتكيَّف وفقاً للشَّريعة (التَّوراة؟).
لم يكن يُوْحَنَّا قادراً على الإجابة هذه الأسئلة وأمثالها ولم يشأ الإجابة عنها على نحوٍ واضحٍ ومحدَّدٍ، فلم يكتب سوى ما رآه وسمعه. وكان أميناً في تدوين الكلام والرُّؤى المُعلَنَة. تمسَّك بقوَّةٍ بالنُّصوص المُعلنَة ولم يكن راغباً في دمجها بنصوص العَهْد القَدِيْم لأسبابٍ تفسيريَّةٍ. ونحن نريد أن نتبعه على هذا النَّحو رغم أنَّ مفسِّرين كثيرين يفيدون أنَّهم قادرون على تفسير الكِتَاب المُقَدَّس بواسطة الكِتَاب المُقَدَّس نفسه. وعلى كلِّ مَن يريد فعل ذلك أن يُدقِّق مقدَّماً أيَّ أجزاءٍ مِن الوعود قد تحقَّقت عند مجيء يَسُوْع للمرَّة الأولى، وأيَّ أجزاءٍ يمكن أن تتحقَّق ليس قبل زمن خلق العالم الجَدِيْد. لا يجوز حشد جميع نبوَّات العَهْد القَدِيْم في الأَلْف السَّنَةِ، طالما أنَّ مَن أخذ الإعلان نفسه قد لزم الصَّمت عن ذلك.
الصّلاة: أَيُّهَا الآبُ السَّمَاوِيّ، ملكوتك يأتي، ومشيئتك تكون على الأرض. نُعَظِّمكَ، لأنَّ ابنك الحبيب سيقيم الشهداء ومَن قُطِعَتْ رؤوسهم لأجل شهادتهم لأبوَّتك وبنوَّته، وسيشركهم في حكم بقية العالم. إمكانيتك تفوق عقولنا. إنما نؤمن بكلمتك وانتصارك ومجيءالمسيح القريب. آمين.

يرى كلُ مَن يتأمَّل حياة يَسُوْع مع الصّلاة مراحل مختلفةً في معركته ضدّ الشَّيْطَان، عدوِّ الله:
لقد شاء الشِّرير قبلاً أن يقتل يَسُوْع بواسطة الملك هيرودس حين كان طفلاً وغير قادرٍ على النُّطق بعد (متَّى 2: 8- 16).
قاد الرُّوْح القُدُس يَسُوْع بعد معموديَّته في نهر الأردن إلى البرِّية ليصوم
أربعين يوماً وليلةً ومن ثمَّ ليكشف بضعفه الجسدي مكر المجرِّب (متَّى 4: 1- 11؛ مرقس 1: 12- 13؛ لوقا 4: 1- 13). لقد طعن يَسُوْع في بدء خدمته بهذه الطَّريقة الحيَّة القَدِيْمة بأمره: للرّبّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ (متَّى 4: 10).
لأَِجْلِ هَذَا أتى ابْنُ اللهِ إذاً لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيْس (1 يُوْحَنَّا 3: 8). شفى المرضى وطرد الشَّياطين وأقام الموتى. أسكن العاصفة وغلب كره أعدائه.
وبطرس الذي شهد للمَسِيْح بجرأةٍ، نتيجة وحيٍ مِن الآب الذي فِيْ السَّمَاءِ، حاول فيما بعد أن يثني الرّبّ عن المضيِّ في طريقه إلى الصَّليب. ولكنَّ يَسُوْع أدرك فوراً الإيحاء الشَّيْطَاني لبطرس فانتهر النَّاطق باسم تلاميذه قائلاً له: اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ، أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَِنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ (متَّى 16: 22- 23).
إنَّ العدوَّ الرَّئيسي لله وابنه دخل يهوذا حتَّى إنَّه فيما بعد خان يَسُوْع (يُوْحَنَّا 13: 21- 30)؛ أمَّا الرّبّ فدعا الممسوس رغم ذلك "يا صاحب" (متَّى 26: 48- 50).
صرخ جمهور المتعصِّبين للتَّوراة المربوطين جماعيّاً بروح الشَّيْطَان أمام بيلاطس الحاكم الرُّوماني في أُوْرُشَلِيْم: "اصلبه!" (متَّى 27: 22- 25). ولكنَّ يَسُوْع صلَّى لأجل أعدائه قائلاً: يَا أَبَتَاهُ اغْفِرْ لَهُمْ لأَِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ (لوقا 23: 34).
حتَّى عندما كان يَسُوْع معلَّقاً على الصَّليب حاول الشَّيْطَان مراراً أن يغريه على ارتكاب الخطبَّة والعصيان (متَّى 27: 39- 44). ولكنَّ ابن الله ثبت بدون خطيَّةٍ. كان هذا هو الشَّرط الأساسي اللاَّزم لشرعيَّة موته الكَفَّارِيّ بدلاً منَّا. فبواسطة قداسته وتواضعه أُدينت الحيَّة القَدِيْمة.
حين مات يَسُوْع على الصَّليب بدا الشَّيْطَان وكأنَّه قد هزم ابن الله وأهلكه حتماً. ولكنَّ العكس هو الصَّحيح. فرئيس الكهنة يَسُوْع، في ذروة ضعفه وبإنهائه حياته الأرضيَّة، أنجز ذبيحة نفسه ذبيحة كفَّارةٍ تامَّةً وفعَّالةً عن جميع الخطاة، وبرَّر بها كلَّ مَن يؤمن به (2 كُوْرِِنْثُوْس 5: 21). كانت هزيمة يَسُوْع الظَّاهرية، موته على خشبة الصَّليب، في الواقع، أعظم انتصاراته. ومنذ ذلك الحين يصرخ ملايين المفديِّين قَائِلِينَ الْخَلاَصُ لإِلَهِنَا الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحملِ (رؤيا 7: 10). لم يقدر الشَّيْطَان أن يمنع ذبيحة يَسُوْع الكَفَّارِيّة، فبقي لا حول له ولا قوَّة تجاه محبَّة حَمَل اللهِ القدُّوسة.
يحاول الشِّرير الرَّئيسي منذ خسارته المعركة أن يُجرِّب جسد يَسُوْع الرُّوْحي، كنيسته، ويُضلَّها ويُسمِّمها ويحتلَّها ويُهلكها. يستخدم الكذَّاب والقاتل مِن البدء كلَّ طريقةٍ وكلَّ خدعةٍ للتَّجربة لهذه الغاية. لأَِنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ (وحيدٍ) قَدْ أَكْمَلَ (يَسُوْع) إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ (عِبْرَانِيِّيْنَ 10: 14).
لقد ألقى أبو الأكاذيب شبكة أكاذيب على البشر بواسطة الأديان والمفاهيم (الإيديولوجيَّات) والفلسفات والعادات المضادَّة للمَسِيْحيَّة كي يُبعدها عن الصَّليب. إنَّ جميع المعتقدات والأنظمة التي تُنكر ابن الله وخلاصة التَّام هي ضلالات وأكاذيب ينشرها إِبْلِيْس وتهجُّمات منه تستهدف الله ومَسِيْحه (مَزَامِيْر 2: 1- 4؛ أَعْمَال الرُّسُلِ 4: 25- 30؛ رؤيا 11: 18 وغيرها).
ازداد غضب الشَّيْطَان احتداماً بعدما طُرد، هو المشتكي على الكنيسة، مِن السَّماء. ففي أثناء صعود حَمَل اللهِ رئيس كهنتنا طُرد مِن هناك. ومنذ إتمام تبرير جميع الخطاة على صليب المَسِيْح ليس ثمَّة بعد أيُّ مكانٍ أو أيُّ حقٍّ لإِبْلِيْس فِيْ السَّمَاءِ. سيجتثُّ دم يَسُوْع كلَّ تشكٍّ مِن الشَّيْطَان عليهم. وبواسطة شهادة أتباع يَسُوْع ستُنتزَع الفريسة مِن مخالب الذِّئب الأكبر.
لذلك يدعو "خيرُ الماكرين" ضدّ المَسِيْح، ابنه، مِن جماهير الأمم ليُضعف جسد المَسِيْح الرُّوْحي ويُهلكه بالمكر والوباء والخداع والتَّعذيب. وكلُّ مَن لا يقبل سمة الحاكم الممسوس بالشَّيْطَان يختار الموت متعمِّداً ليعيش مع المَسِيْح في الأبديَّة. وموت هؤلاء يُبرهن المزيد مِن انتصار يَسُوْع وهزيمة الشَّيْطَان.
عندما يظهر يَسُوْع مع الجمهور العظيم الذي لا يُحصَى مِن قدِّيسيه الأحياء ليدين ضدّ المَسِيْح لن تكون ثمَّة حاجةٌ لكلمةٍ واحدةٍ لإظهار هزيمة الشَّيْطَان التَّامة مع شركائه. فوجود الكنيسة الممجَّدة في ثياب برِّ الله البيض ستُخرس عدوَّ الله.
إنَّ طرد ضدّ المَسِيْح ونبيِّه الكذَّاب إلى جَهَنَّم النَّار يؤلم الشَّيْطَان جدّاً في الصَّميم. فهو كان قد جهَّز ابنه الشِّرير بكلِّ سلطانه وعرشه. ولكنَّ حيله وأكاذيبه وخدعه وقوَّته وجرائمه قد تهشَّمت عند قدمي الله القدُّوس المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ والحَمَل البريء وكنيسته المبرَّرة. "المَسِيْح هو المنتصر". هذه واحدةٌ مِن صيحات ذعر الأبالسة قبل أن يُطردوا مِن الممسوسين بواسطة اسم المَسِيْح وسلطانه. إنَّهم يعلمون أنَّ ابن الله ظهر لينقض أعمالهم على هذه الأرض. ويؤمنون أيضاً أنَّ الله "ربٌّ واحدٌ" فحسْب، ولكنَّهم يقشعرُّون (يعقوب 2: 19).
لا يُجرِّد يَسُوْع ضدّ المَسِيْح مِن سلطانه فحسْب، بل يطرح الشَّيْطَان أيضاً، الذي ينبثق ضدّ المَسِيْح منه، في الهاوية. طُرد أوَّلاً مِن السَّماء ويُطرد الآن مِن الأرض إلى الهاوية.
الصّلاة: أَيُّهَا الرّبّ يسوع، المصلوب المقام مِنْ بَيْنِ الأَموَاتِ، نُعَظِّمكَ لأجل معاركك العديدة ضدّ عدوِّ الخير وتغلُّبك عليه باستمرار وخاصَّةً في ساعة ضعف جسدك على الصليب. نُعَظِّمكَ لأنك بقيت بلا خطيئة وبرَّرتنا بموتك الكفَّاري وأحيَيْتَنَا بروحك القدُّوس. نجّنا مِن الشرير واحفظنا فيك لأنك ملجؤنَا الوحيد. آمين.

يوحي إعلان المَسِيْح ليُوْحَنَّا أن لا كبير ملائكة قويّ ولا حَمَل اللهِ نفسه سيظهران للقبض على الشَّيْطَان، الحيَّة الملعونة (تكوين 3: 14) وتقييده وحبسه؛ بل خلافاً لذلك سيأمر ملك الملوك ملاكاً بدون سماتٍ محدَّدةٍ، وربَّما بإشارةٍ مِن خنصره، بالقبض على القويِّ الذي لا حول له ولا قوَّة ولا رجاء، وتقييده بقيدٍ ثقيلٍ وحجزه في هاويةٍ معدَّةٍ خصِّيصاً له. وهنا لا يتبادر إلى الذِّهن جَهَنَّم عينها ولا عالم الأموات، بل حبسٌ منعزلٌ في سجنٍ مظلمٍ. وفي أعلاه يضع الملاك ختم حَمَل اللهِ. وهكذا يتمُّ استبعاد عدوِّ الله، مهيِّج الفتنة، الشِّرير الأكبر، ألف سنةٍ مِن السِّياسات العالميَّة وخطَّة الخلاص.
تُذكِّرنا هذه الرِّواية عن الأسلوب الجزائي السَّمَاوِيّ بأنَّ تقييد الشَّيْطَان باسم يَسُوْع المَسِيْح هو جزءٌ مِن سلطان مفاتيح الخدَّام الذين عيَّنهم المَسِيْح (متَّى 16: 19؛ 18: 18؛ يُوْحَنَّا 20: 22- 23). لا يقدر أيُّ بابا أو أسقف أو راعٍ أو كاهن أن يُنفِّذ هذا العمل بمحض إرادته. ولكن عندما يُكرَز بالإنجيل وأعمال المَسِيْح كاملةً وبدون حذفٍ (رؤيا 2: 24- 29) يحلُّ الرُّوْح القُدُس المؤمنين التَّائبين مِن خطاياهم وارتباطاتهم بواسطة كلام خدَّام يَسُوْع. ولكنَّ الكلمة نفسها تقيِّد، في الوقت نفسه، العصاة غير التَّائبين. يوجد أحياناً قدِّيسون عاديُّون وغير مؤثِّرين يأمرون الشَّيْطَان وأبالسته باسم يَسُوْع المَسِيْح أن يصمتوا ويختفوا. ينبغي أن نتوب وأن نستعمل حقَّ الرّبّط والحلِّ لكي نتصدَّى لسيادة وسلطان الشِّرير باسم يَسُوْع. ولكن ينبغي لكلِّ مَن ليس مخوَّلاً مِن الرّبّ المقام القيام بمثل هذه الخدمة أن يُبقي يديه بعيداً كيلا يؤذي جسده ونفسه وروحه.

يؤكِّد يُوْحَنَّا، في هذه الآيات عن الأَلْف السَّنَةِ، ثلاث مرَّاتٍ (رؤيا 20: 2- 3 و7- 8) أنَّ الشَّيْطَان مجرِّب ومُضِلّ النَّاس والملائكة، خلال هذه المدَّة الطَّويلة، لن يكون له أيُ تأثيرٍ في باقي الأمم الباقية بعد أحكام دينونة الله. وفوق ذلك، وخلال المدَّة التي يمارس فيها المفوَّضون مِن المَسِيْح سلطانهم بالرُّوْح القُدُس، يُمنَح البشر الأنانيُّون فرصةً إضافيَّةً ليتوبوا توبةً طوعيَّةً وعميقةً.
ولكن لا بدَّ مِن أن يُصبح ما في قلب الإنسان ظاهراً وجليّاً، نيَّة حسنة أو شرِّيرة، رغبات مُلزِمة أو تعفُّف، كبرياء لا حدود له أو أداء لتواضع المَسِيْح. لن تقدر الأمم النَّجسة على اتِّهام الله بعدم توفُّر حرِّية الإرادة بسبب مكر الشَّيْطَان وتفوُّقه، وبالتَّالي عدم مسؤوليَّتهم عن تفكيرهم وأفعالهم. وبهذا المعنى يُمكن فهم الأَلْف السَّنَةِ، الفترة الزَّمنية عَلَى الأَرْضِ، كهبةٍ مِن الله الصَّبور لستر شرور القلب الإنساني وكبريائه المتمرِّد. إنَّ الأَلْف السَّنَةِ، لأجل برِّ الله، هي فترةٌ ضروريَّةٌ ولا غنى عنها في خطَّة خلاص الله وحَمَله.
ولكن بعد هذه السَّنوات الألف مِن عطف الله ورعايته ينبغي أن يُحلَّ الشَّيْطَان مرَّةً أُخرى ليُري جموع النَّاس أنَّ تصوُّرات قلوبهم ما زالت شرِّيرةً منذ حداثتهم (تكوين 6: 5؛ 8: 21؛ مَزَامِيْر 14: 3؛ رومية 3: 10- 12). سيعلم جميع النَّاس أنَّ ما مِن شخصٍ واحدٍ، أو أمَّةٍ واحدةٍ، أو حتَّى إسرائيل سيُصبح بارّاً بدون حَمَل اللهِ ودمه الكَفَّارِيّ المسفوك. أمَّا الثَّورة على الله ومَسِيْحه فستحدث بعد مدَّة السَّلام وستكون أسرع وأكثر تطرُّفاً مِن ذي قبل، حيث إنَّ الشَّيْطَان يكون قد خطَّط خلال مدَّة ألف سنةٍ كيف يمكنه أن يُحرِّض الشُّعوب بأكثر فعاليةٍ على خالقها. وفي الواقع سيُخدَع النَّاس عَلَى الأَرْضِ بأبي الكذب مرَّةً أُخرى وينساقون بروحه السَّاخط مِن جديدٍ إن لم يكونوا قد انفتحوا لروح حَمَل اللهِ في الوقت المناسب وأصبحوا أعضاء عاملين في جسده الرُّوْحي.

بعد ذلك رأى يُوْحَنَّا عدداً مِن العروش لم يجلس عليها أناسٌ فانون عاديُّون، ولا ملائكة سماويُّون، بل "نفوس" الذين قُتلوا شهداء بسبب أمانتهم لله ويَسُوْع. تعني العبارة "نفس" في الشَّرق الأوسط، فيما تتضمَّنه مِن معانٍ، ذات الإنسان وشخصيَّته. ولا يُفكِّر المرء في نفس الإنسان بمعناها الفلسفي اليوناني أوَّلاً الذي يُفترَض فصلها عن الجسد في أثناء الموت والعودة إلى عالم الأفكار. أمَّا النَّفس بحسب الفهم الشَّرقي فهي نقيض ذلك تنتظر، كذات الإنسان بعد الموت في عالم الأموات، قيامتها ودينونتها الأخيرة.
كانت ليُوْحَنَّا رؤية روحيَّة للرَّاحلين. فسمع في رؤيا تفاصيل شتَّى عن المكان الذي تأتي نفوس الجالسين على العروش منه:
بعضٌ منهم قطعت رؤوسهم بفأسٍ وقُطعت أوصالهم في زمن الإمبراطوريَّة الرُّومانيَّة لأنَّهم شهدوا ليَسُوْع المسيَّا وملك الملوك.
وآخرون يهود قُتلوا بفأسٍ بالطَّريقة نفسها بسبب أمانتهم للتَّوراة ولأنَّهم لم يسجدوا لآلهةٍ أُخرى غير يهوه، رافضين السُّجود لقيصر.
في زمن ضدّ المَسِيْح الأخير، الوحش في شكلٍ بشريٍّ، سيُهدَّد كثيرٌ مِن المَسِيْحيِّين واليهود بالقتل شهداء بسبب مطالبتهم بالسُّجود له ولصورته. ولكنَّهم قد وضعوا أنفسهم قبلاً تحت رحمة ربِّهم، ويُفضِّلون الموت على حمل سمة الوحش على جباههم وعلى أيديهم.

الصَّلَاة
أبانا الذي في السَّماوات، القدّوس القدير، نشكرك لأنَّ ابنك يسوع أعلن لنا أنَّك صرت أبانا الشَّرعي والرُّوحي لأجل دمه الثمين الذي طهَّرنا تطهيراً تامّاً مِن آثامنا. ونُعَظِّمكَ لأنَّ المسيح خلَّصنا وفَدانا مِن حِيَل الشَّيطان وسلطته الشريرة، وبثَّ فينا روحَك القدُّوس ليَحفظنا في المحبَّة والإيمان والرَّجاء، لكي لا نترك لإبليس حقّاً أو قوَّةً علينا. آمين.
السُّؤَال
من هم الذين سيحكمون مع المسيح؟ كيف غلب المسيح الشيطان وكيف يحفظنا منه؟ كيف يحفظنا المسيح مِن مكر الشَّيطان وقوَّته الشِّريرة؟