Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
5- الهيكل هو الله نفسه وحَمَله
(رؤيا 21: 22- 23)
21:22وَلَمْ أَرَ فِيهَا هَيْكَلاً لأَِنَّ الرّبّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَالْحَمَل هَيْكَلُهَا.23وَالْمَدِينَةُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الشَّمْسِ وَلاَ إِلَى الْقَمَرِ لِيُضِيئَا فِيهَا لأَِنَّ مَجْدَ اللهِ قَدْ أَنَارَهَا وَالْحَمَل سِرَاجُهَا.

كان ينقص تقرير الشَّيخ الجليل عن أُوْرُشَلِيْم السَّمَاوِيّة البيان الجوهري حول مكان الهيكل، ولعلَّ أعضاء كنيسته اليهود قد انتظروا الإعلان الحاسم وتساءلوا في أنفسهم: أين هيكل الله في هذه المدينة الأبديَّة؟ ولربَّما صُدموا عند هذه النُّقطة حين قرأوا ملاحظة الرَّائي الموجزة البليغة الوافية بمعناها: وَلَمْ أَرَ فِي أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة هَيْكَلاً. هل الله ليس حاضراً في وسط شعبه في الأبديَّة أيضاً ؟ في هذه الحالة لا نفع ولا قيمة للذَّهب واللآلئ والجواهر كلِّها في المدينة الجَدِيْدة. فلا يكون للوجود الجَدِيْد أيّ مركز أو قوَّةٍ أو حياةٍ أو شمس روحيَّة. إنَّ فهم العَهْد القَدِيْم وشرائعه وذبائحه مفرَّغٌ ومحرَّفٌ بدون هيكلٍ. على شعب إسرائيل الرُّجوع إلى هيكله وإلاَّ فإنَّه يتصرَّف عكس قلبه.
ولكنَّ يُوْحَنَّا لم يُكمل قوله بعد. لقد قدَّم أسباباً لعدم وجود الهيكل في أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة بملاحظةٍ قصيرةٍ تجاوزت عقول النَّاس: لأَِنَّ الرّبّ اللهَ الْقَادِرَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هُوَ وَالْحَمَل هَيْكَلُهَا (رؤيا 21: 22). كان هذا الاعتراف جدِّياً على نحوٍ أبكم اليهود واليهود المَسِيْحيين الذّائبين شوقاً وحنيناً إلى وطنهم. ولعلَّ صمتاً عظيماً قد استولى عليهم. إنَّ أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة تقدِّم أكثر بكثيرٍ مِمَّا قدَّمته أُوْرُشَلِيْم القَدِيْمة الماضية.
كلمةً تلو الأخرى شهد يُوْحَنَّا أنَّ يهوه، إله العَهْد، الإله الأبدي الأمين غير المتغيِّر القادر على كلِّ شيءٍ، لا يحتاج إلى هيكلٍ، ولا يسكن في قدس الأقداس بعد منذ موت يَسُوْع على الصَّليب. ففي أثناء عصر الكنيسة، الكنيسة نفسها هي هيكل الله. والقدير يسكن بملئه فيها ويعمل مع روحه القدّوس بواسطتها (1 كُوْرِِنْثُوْس 3: 16؛ 6: 19؛ كولوسي 2: 9- 10؛ وآيات أخرى). وسرُّ العَهْد الجَدِيْد هذا، أي أنَّ يَسُوْع يسكن بالإيمان في قلوبنا وأنَّه يبقى "فينا"، مذكورٌ أكثر مِن ثلاثين مرّة في العَهْد الجَدِيْد (متَّى 26: 26- 27؛ يُوْحَنَّا 6: 48- 58؛ 14: 23، 25- 26؛ 15: 4- 8؛ 17: 23، 26؛ غَلاَطِيَّة 2: 20؛ أفسس 3: 14- 19؛ كولوسي 1: 15- 27؛ وآيات أخرى).
ولكنَّ العَهْد الجَدِيْد لا يذكر فقط أنَّ المَسِيْح يحيا "فينا"، بل أيضاً أنَّنا "نحن
نحيا في المَسِيْح". وهذه العبارة "في المَسِيْح" مذكورةٌ في العَهْد الجَدِيْد 175 مرَّة، أي ستَّة أضعاف العبارة التي تُشير إلى حقيقة كونه هو فينا.
إن اعترفتَ أنَّ المَسِيْح "فيك" تشهد بذلك بحقيقة تحقُّق الخلاص كثمرة مِن ثمار صليب يَسُوْع. ولكن ثمَّة خطرٌ خارج متناول الشُّعور أنَّنا نظنُّ على نحوٍ أنانيٍّ أنَّنا امتلكنا الرّبّ يَسُوْع وكأنَّه صار ملكاً شخصيّاً لنا ونحن مالكوه؛ بينما العكس هو الصَّحيح: ليس هو خاصَّتنا، بل نحن خاصَّته. يحيا فينا بواسطة روحه، وهو دائماً معنا حتَّى انتهاء العالم (متَّى 28: 20). وفي الوقت نفسه وحَّدَنا يَسُوْع لنصبح أعضاء فاعلين في جسده الرُّوْحي ونُنكر أنفسنا. هو الرَّأس وعلينا أن نتحرَّك ونعمل كما يشاء هو. وبهذه الصِّفة نحيا ونموت "فيه" (يُوْحَنَّا 6: 56؛ 14: 20؛ 15: 4- 7؛ 16: 33؛ 17: 21؛ رومية 6: 23؛ 8: 1؛ 12: 5؛ 14: 14، 15: 17، 16: 2- 27 (8 مرَّات)؛ 1 كُوْرِِنْثُوْس 1: 2؛ 4: 10؛ 15: 18، 22، 58؛ 2 كُوْرِِنْثُوْس 2: 12، 14، 17؛ 5: 17، 21؛ أفسس 2: 6، 13، 21؛ 4: 1، 21، 32؛ 5: 8؛ 6: 10؛ وآيات أخرى).
المَسِيْح ملجؤنا مِن الغارات الجويَّة، ومركز قوَّتنا، وجهاز قيادتنا. إذا دخلتَ طائرةً فستعهد بحياتك إلى ربَّانها في مختلف الأحوال والظُّروف. وبالطَّريقة نفسها لا نوجد بعد وحدنا إن نحن سلَّمنا حياتنا للرّبّ تماماً وأبداً.
يمكن رؤية الواقع الرُّوْحي لهذه العلاقة الشَّرعية في أُوْرُشَلِيْم الأبديَّة. سنستريح هناك في نعمة الله وروحه ونوره وحضوره كما شهد يُوْحَنَّا: اَللهُ مَحَبَّةٌ وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ (1 يُوْحَنَّا 4: 16). ينبغي أن نفكِّر في هذه الآية مراراً كي نفهم نطاقها وبعدها بطريقةٍ أفضل. يريد الله أن يسكن بين خليقته على نحوٍ منظورٍ ليصوغهم بحضوره ويحتضنهم بروحه ويملأهم به ويحميهم. اَللَّهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوْح وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا (يُوْحَنَّا 4: 24).
إنَّ الذي يحبُّنا إلى الأبد، القدُّوس المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ، يريد أن يجذبنا إلى مجال قوَّته، في ذاته، في وسط ثالوثه (يُوْحَنَّا 17: 20- 26). يريد أن يكون هيكلنا، أبانا، قوَّتنا. بهذه الطَّريقة، بهذه الطَّريقة وحدها، تتمَّم وصيَّة المَسِيْح التَّالية: فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ (متَّى 5: 48). إنَّنا نُمنح هذا الامتياز الآن بضمانة الرُّوْح القُدُس، بَيْدَ أَنَّ إتمامه مرتبطٌ بعودة المَسِيْح (1 كُوْرِِنْثُوْس 15: 42- 45، 54- 57).
شهد يُوْحَنَّا بوضوحٍ أنَّ الله الرّبّ القدير لا يحتضن ويصوغ ويُنعش أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة وسكَّانها المقدَّسين فحسب، بل إنَّ حَمَل اللهِ، رئيس كهنتنا، في الوقت نفسه وبوحدةٍ تامَّةٍ معه يحتضن الوجود الجَدِيْد ويضبطه ويصونه. الآب والابن وحدةٌ لا تنفصم كوجهين لعملةٍ واحدةٍ. ما يريده أحدهما ويفعله يريده الآخَر ويفعله. سأل يَسُوْع أباه أن يصبح واحداً كما هو في الآب والآب فيه. هكذا ينبغي لنا أن نترسَّخ "في الآب" و"في الابن" بواسطة الرُّوْح القُدُس (يُوْحَنَّا 17: 20- 23).
إن فهمتَ غنى هذه الوعود فستسجد لله وحَمَله. لأنَّ ما مِن أحدٍ منَّا مستحقٌّ وقادرٌ بنفسه أن يكون عموداً في هيكل الله الحيِّ وأن يحمل اسم الآب والابن ومدينة أُوْرُشَلِيْم على جبينه كما وُعد بذلك راعي كنيسة فيلادلفيا (رؤيا 3: 12- 13).
الصّلاة: نشكرك أبانا لأنَّك أبونا، وقد خلَّصتنا مِن الدَّيْنُوْنَة والغضب بواسطة ابنك الحبيب الذي مات عِوَضاً عَنَّا كفَّارةً لخطاينا. نُعَظِّمكَ بالرُّوْح القُدُس لأنَّك جَذبتَنا إلى عائلتك وإلى وحدة الثالوث الأقدس كي يتقدَّس اسمك الأبوي. آمين.

يكتب يُوْحَنَّا بعجبٍ وحيرةٍ الآن أنَّه لا توجد شمسٌ ولا قمرٌ في مدينة الله الجَدِيْدة. سيزول النِّظام الشَّمسي القَدِيْم وكذلك الصَّيف والشِّتاء، اللَّيل والنَّهار. سيُطوَى العَهْد الذي بين الله ونوح ويُفتَح عهدٌ جديدٌ في المَسِيْح.
وحتَّى بدون الشَّمس والقمر لن تغرق المدينة الجَدِيْدة في الظَّلام كبحيرة النَّار النَّتنة، بل يكون الله نفسه وحَمَله سراجها ودفئها، حركتها وقوَّتها.
كان يُوْحَنَّا قد أدرك مِن قبل أنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ... وَلَكِنْ إِنْ سَلَكْنَا فِي النُّورِ كَمَا هُوَ فِي النُّورِ فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ وَدَمُ يَسُوْع المَسِيْح ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ (1 يُوْحَنَّا 1: 5-7). وكذلك هتف إِشَعْيَاء قبل 700 سنة قائلاً: قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ وَمَجْدُ الرّبّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ (إِشَعْيَاء 60: 1). لاَ تَكُونُ لَكِ بَعْدُ الشَّمْسُ نُوراً فِي النَّهَارِ, وَلاَ الْقَمَرُ يُنِيرُ لَكِ مُضِيئاً, بَلِ الرّبّ يَكُونُ لَكِ نُوراً أَبَدِيّاً وَإِلَهُكِ زِينَتَكِ (إِشَعْيَاء 60: 19).
سيُنير مجد الله المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ بأبهى مِن الشَّمس كلَّ ركنٍ وزاويةٍ مِن مدينته، ويكشف كلَّ سريرةٍ وفكرٍ كي لا يوجَد في هيكله الضَّخم أيُّ خطيئةٍ أو إثمٍ. لن يقوى أحدٌ على احتمال قوَّة مجد الله ما لم يُطهِّرنا حَمَل اللهِ ويُقدِّسنا روحه. إنَّنا بسبب طبيعتنا مدانون، ولكنَّنا بسبب الخيار بالنِّعمَة مستنيرون.
قد تعكس المرآة نور الشَّمس بنجاحٍ وفعاليةٍ، أمَّا نحن فلن نصبح مجرَّد مرايا تعكس مجد الله، بل سيُشرق نور يَسُوْع فينا. هو النُّور الذي يجعلنا أنواراً ساطعةً برَّاقةً (متَّى 5: 14- 16؛ يُوْحَنَّا 1: 4؛ 8: 12؛ أفسس 5: 8-9 وآيات أخرى).

الصَّلَاة
أبانا الذي في السَّماوات، نشكرك لأنّك النور الأصيل، وابنك يسوع هو نور العالم الذي جعلَنا أولادَ النُّور، هذا النُّور الذي سيُشرِق على جماهير القديسين ويُطهِّرهم حتى لا يبدر منهم أيُّ قصدٍ شرِّيرٍ أو فكرٍ نجسٍ، بل يشملنا مجدك، وتجعلنا رونق لطفك. آمين.
السُّؤَال
كيف صار المستحيل ممكناً أنَّ الله القدّوس يعيش فينا ونحن فيه؟ كيف يُنيرنا الله المجيد ويجعلنا أنواراً مضيئة في الدُّنيا والآخرة؟