Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
4- الله في وسط النَّاس
(رؤيا 21: 3- 4)
21:3وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً هُوَذَا مَسْكِنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ وُهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلَهًا لَهُمْ.4وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ لأَِنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ.

طلب ملاك الرّبّ ثانيةً مِن الشَّيخ الجليل يُوْحَنَّا في بداية هذا الزَّوج الجَدِيْد مِن الرُّؤى أن يفتح عينيه وقلبه ويعرف أيّ خبرٍ مثيرٍ سيتلقَّى. ولا ينطبق هذا الأمر على الرَّسُوْل فحسب، بل على جميع الذين يحنُّون شوقاً لله.

أرى رسول السَّماء الرَّائي مسكناً كمكانٍ لسكن الله. وهذا المسكن، مِن
وجهة النَّظر البشريَّة، هو أكثر مِن قصرٍ، وأكثر مِن قلعةٍ، وأكثر مِن كلِّ ما تضمُّه الأرض مِن ناطحات سحابٍ. أمَّا مِن وجهة نظر الله فليس مركز السَّماء الفخم هذا سوى "مسكنٍ"، أو خيمةٍ، أو غرفةٍ متواضعةٍ لا تكاد تتَّسع لمجده.
كان الرّبّ في أثناء العَهْد القَدِيْم يسكن وسط شعبه في خيمةٍ، في خيمة الاجتماع، في غرفة قدس الأقداس المكعبة. هناك كان يجلس متبوِّئاً العرش فوق لوحي التَّوراة، كتاب العَهْد الموهوب منه، يقبل ذبائح شعب عهده الدَّموية التي كانت تقدَّم للمصالحة معه هو الإله القدُّوس المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ. وكان كلُّ تعدٍّ على الشَّريعة يُشكِّل عصياناً على إله العَهْد ويستوجب موتاً مباشراً للخاطئ. بسبب الذَّبيحة المقدَّمة وحدها استطاع العَهْد أن يبقى نافذاً. وكان موسى وهرون وحدهما مخوَّلين دخول قدس الأقداس مرَّةً واحدةً في السَّنة. أمَّا باقي النَّاس فكان يفصلهم عن إله عهدهم حجابٌ.
في يَسُوْع سكنت "كلمة الله" على نحوٍ جديدٍ بين النَّاس. كان جسده "المسكن"الذي حلَّ فيه ملء اللاهوت جسديّاً (كولوسي 2: 9). في يَسُوْع اقترب الإله الحيُّ مِن شعبه وأصبح مرئيّاً لكلِّ مؤمنٍ، ولكنَّه بقي مجهولاً وخفيّاً لغير المؤمنين. وصنع هذا الإله المتجسِّد عجائب لا تُحصى فتحت أعين الباحثين. ورغم ذلك لم يُدرك مخلِّصَ العالم سوى قلَّة مِن النَّاس، لأنَّه ظهر متواضعاً كإنسانٍ عاديٍّ بدون هالةٍ مِن القداسة. قليلون فقط هم الذين سجدوا له وسلَّموا أنفسهم له إلى أبد الآبدين.
عندما انسكب الرُّوْح القُدُس، موعد الآب (أَعْمَال الرُّسُلِ 1: 4) عَلَى كُلِّ بَشَرٍ (يوئيل 2: 28- 30) لم يفتح قلبه له سوى نسبة قليلة مِن سكَّان إسرائيل وأقلِّية مِن الأمم. ولكنَّ الرُّوْح القُدُس حلَّ في الذين أحبّوا يَسُوْع وأباه والذين انتظروا مصلِّين قوَّة الرُّوْح المعزِّي.
إنَّ كنيسة يَسُوْع المَسِيْح، في الوقت الحاضر، هي مَسْكِنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ.
هي هيكل الرُّوْح القُدُس (1 كُوْرِِنْثُوْس 3: 16؛ 6: 19). والرّبّ الحيُّ يسكن بدون أُبَّهةٍ في المنكسري القلب والمنسحقي الرُّوْح (مَزْمُوْر 34: 18؛ 51: 17؛ إِشَعْيَاء 57: 15؛ 1 يُوْحَنَّا 1: 8- 10). فكلُّ مَن ينفتح لمخلِّص العالم يصبح "حجراً" حيَّاً لامتداد مسكن الله (1 بطرس 2: 5). وكي لا نستكبر لَنَا هَذَا الْكَنْزُ فِي أَوَانٍ خَزَفِيَّةٍ سريعة الانكسار (2 كُوْرِِنْثُوْس 4: 7- 11).
حين قال الملاك ليُوْحَنَّا: هُوَذَا مَسْكِنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، كشف له مرحلةً جديدةً للخلاص وإتمامها. فهؤلاء النَّاس الذين سيسكن الله معهم في الأبديَّة ليسوا خطاةً بعد. لقد حوَّلهم دم يَسُوْع المَسِيْح وبرُّه وروحه ومحبَّته إلى صورة الله فحقَّق هدف خليقته وتاريخ خلاصه فيهم (تكوين 1: 27).
إضافةً إلى ذلك أوضح الملاك بشهادته أنَّه ليس القدِّيسون المطهَّرون المائة والأربعة والأربعون ألفاً مِن شعب العَهْد القَدِيْم هم وحدهم الذين يتمتَّعون بامتياز العيش مع الرُّوْح القُدُس في عائلته، بل إنَّ المختارين المدعوِّين مِن الأمم أيضاً قد صاروا "أناساً" بواسطة المَسِيْح. كانوا سابقاً يعيشون كحيواناتٍ مفترسةٍ ماكرةٍ عَلَى الأَرْضِ، ولكنَّ دم المَسِيْح وقوَّة الرُّوْح القُدُس قد جعلاهم الآن وإلى الأبد أتقياء وشركاء في ملء الله (أفسس 3: 14- 21؛ كولوسي 2: 9؛ وآيات أخرى).
شهد ملاك الرّبّ لهذه الرِّسالة المظفَّرة بدون أيِّ قيدٍ. فلم يُعلن أيَّ وصايا خاصَّة، ولم يُهدِّد بالعقاب في حالة العصيان. انتهى هذا كلُّه. كان المتجدِّدون مِن جميع القبائل والشُّعوب الذين سُمح لهم بالدُّخول إلى عرش الله قد أصبحوا مثل مخلِّصهم الذي كان على الحاكم الرُّوماني بيلاطس أن يقول عنه: هُوَذَا الإِنْسَانُ (يُوْحَنَّا 19: 5). إنَّ نعمة الله تُحوِّل، بذبيحة المَسِيْح الكَفَّارِيّة الفريدة، النَّاس المخلوقين إلى قدِّيسين مولودين ثانيةً. وحدهم المكتوبون في سفر حياة الحَمَل يشتركون في هذا الإنسان الجَدِيْد. بسبب المَسِيْح وحده قد أصبحنا مستحقِّين أن نعيش مع الله في مجده. هنا سرُّ وهدف إعلان يَسُوْع المَسِيْح.
الصّلاة: أَيُّهَا الآبُ المجيد الذي في السَّماء نُعَظِّمكَ ونُحبُّك لأنك قصدتَ أن تسكن بين أولادك الروحيين كعروسك. لقد صرت إنساناً في ابن مريم وحللتَ بروحك القدّوس في قلوب الكثيرين الذين قبلوا تطهيرهم بدم ابنك الحبيب. نُعظِّمك لأنك لم تحتقرنا بل تحبنا دائماً. آمين.

مَن الذي يسكن في وسط المخلَّصين والمقدَّسين؟ خالق السَّماء والأرض القدير العليم هو ضابط الكلِّ والقادر على كلَّ شيءٍ. هو الرّبّ، القوَّة الأولية للأكوان. هو الحياة والنُّور. ينبثق منه المجد كلُّه الذي يفوق في سطوعه الشَّمس عندما تُطلق أشعَّة نورها النَّافذة.
يذكر الكِتَاب المُقَدَّس أكثر مِن 350 اسماً وصفةً لله، حيث لا يقدر اسمٌ واحدٌ مِن هذه الأسماء أن يصف ويتضمَّن مجده كلَّه. تكلَّم يَسُوْع عن الإله الأزليِّ: "هو أبي" و"أبوك" و"أبونا". بواسطة يَسُوْع أصبح الإله العظيم غير المنظور أبانا، لأنَّنا باتِّصالنا به بالإيمان شركاء في حقِّه كابن. بواسطة يَسُوْع وحده نعرف مَن هو الله في الحقيقة، أي أبونا.
في جنَّة عدن، قبل سقوط الإنسان، التقى الرّبّ آدم وحوَّاء وكلَّمهما شخصيّاً (تكوين 3: 8- 10 وآيات أخرى). ولكنَّهما طردا معاً مِن الشَّركة مع الله بسبب عصيانهما (تكوين 3: 14- 24).
أمَّا خالق العالم، فحتَّى يصبح ثانيةً قريباً من خلقه العنيد ويُغيِّر ذهنهم (مرقس 1: 15) صار جسداً في يَسُوْع (متَّى 1: 23؛ يُوْحَنَّا 1: 14). شفى يَسُوْع جميع المرضى الذين جيء بهم إليه، وطرد الشَّياطين مِن الممسوسين، وأقام الموتى، وضاعف رغيفي الخبز والسَّمكتين فأشبع خمسة آلافٍ مِن سامعيه، وهدّأ إعصاراً في بحيرة جنيسارت، وعلَّم التَّلاميذ محبَّة الله والغفران في الدَّيْنُوْنَة. مع يَسُوْع عادت السَّماء إلى الأرض. سكن ابن الله مع النَّاس على نحوٍ منظورٍ وملموسٍ.
ولكنَّ المستكبرين المبرَّرين ذاتيّاً رفضوا الإله الوديع واللَّطيف الذي في وسطهم وجعلوا الرُّومان يصلبونه. أمَّا هو فرغم ذلك أحبَّ العصاة وصالحهم مع أبيه وطلب إليه أن يغفر لهم بسبب موته الكَفَّارِيّ (لوقا 23: 34). وبعد ذلك أرسل الرَّحيم روحه على أتباعه المبرَّرين ليُحوِّلهم إلى صورة يَسُوْع؛ ففرط نعمته يُجدِّد الناس ويُحوِّلهم إلى أناسٍ يُسرُّ بهم ( لوقا 2: 14).
يشهد الرَّسُوْل بُوْلُس أنَّ المبرَّرين المختارين الذي صاروا رعايا في عائلة الله ليسوا فقط المتحدِّرين مِن أولاد يعقوب، بل أيضاً مِن الأمم الجهَّال. فهؤلاء جميعاً سيُبنَون مَعًا مَسْكَنًا لِلَّهِ فِي الرُّوْح (أفسس 2: 14- 22). هذا السِّر عظيمٌ. ولكنَّه مطبَّقٌ عمليّاً في الوقت الحاضر في كلِّ كنيسةٍ حيَّةٍ.
منذ مجيء المَسِيْح الأوَّل لم بعُد الخالق القدير، ربّ العالم وديَّانه، ذلك الإله البعيد المجهول الأكبر مِن أن يُدرَك، كما هو الله في الإسلام. كلاَّ، بل إنَّه تحالف وأتباع المَسِيْح وهو يُجدِّدهم في صورته، ويقبلهم في عائلته ويريد أن يسكن معهم على نحوٍ منظورٍ إلى أبد الآبدين. إنَّ هذه الجملة القصيرة سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ تقود كلَّ مَن لديه أبسط فكرةٍ عن شمول هذا الوعد وعمقه إلى السُّجود للمَسِيْح. بهذه الجملة القصيرة بلغت خطَّة الله الخلاصيَّة هدفها وذروتها (أفسس 3: 14- 21؛ 1 يُوْحَنَّا 3: 1- 3).
الصّلاة: أَيُّهَا الآبُ الحَنون القدير الذي في السماء، قد أصبحتَ إنساناً في المسيح، وأخذتَ مسكناً بحلول روحك القدّوس في التَّائبين المؤمنين بيسوع. نشكرك لمحبتك الأبوية، ونُعظِّمك لأنك تُقدّس الخطاة، وترسلهم إلى الذين يطلبون بخشوعٍ مخلِّصاً لهم. آمين.

تتضمَّن هذه الجملة الجوهريَّة مِن العَهْد القَدِيْم بخصوص الشَّريعة الدَّولية الضَّمان الخاص للنِّعمة مِن الله لأولاد يعقوب الذي أعلنه لهم بواسطة خادمه موسى (خروج 19: 5- 6). وقد عُمِّق هذا المبدأ وحُدِّث للشَّعب في السَّبي عدَّة مرَّاتٍ بعد 800 سنة مِن قبل النَّبيين إرميا وحزقيال (إرميا 7: 23؛ 11: 4؛ 30: 22؛ 31: 1، 33؛ 32: 38 وآيات أخرى: حزقيال 11: 20؛ 14: 11؛ 34: 24؛ 36: 28؛ 37: 23 وآيات أخرى). إنَّ مَن يقرأ هذه الوعود بخصوص الشَّريعة التي أعطاها الرّبّ لشعبه مِن إسرائيل يُدرك ثلاثة أمورٍ أساسيَّة:
لا يسري وعد الله الفريد واللَّطيف هذا لشعبه المختار إلاَّ بقدر التزام هذا الشَّعب المختار وصايا إله عهدهم والعيش وفقاً لأوامره والعمل بحسب ما يقول.
وإذ علم الله الكلي الحكمة مسبقاً أنَّ شعبه لن يحفظ وصاياه التي أوصاهم إيَّاها، منحهم امتياز تقدمات الخطيَّة وتقدمات الإثم كي لا يسقطوا مِن نعمته على نحوٍ لا مناص منه.
لكنَّ الرّبّ أعلن للتَّائبين بقلبٍ منكسرٍ عن وعود ثمينةٍ بعهدٍ جديدٍ يشير إلى مجيء المَسِيْح الثَّاني ويمتدُّ إلى اكتمال خلاصه بعد عودته:
هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرّبّ وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً. لَيْسَ كَالعَهْد الَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ, حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ يَقُولُ الرّبّ. بَلْ هَذَا هُوَ العَهْد الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ يَقُولُ الرّبّ, أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ, وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلِينَ, اعْرِفُوا الرّبّ لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ يَقُولُ الرّبّ. لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ (إرميا 31: 31- 34؛ قارن: 30: 18- 22؛ 31: 1؛ 32؛ 38 وآيات أخرى).
وَأُعْطِيكُمْ قَلْباً جَدِيداً, وَأَجْعَلُ رُوحاً جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ, وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ, وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا. وَتَسْكُنُونَ الأَرْضَ الَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا, وَتَكُونُونَ لِي شَعْباً وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلَهاً (حزقيال 36: 26- 28؛ قارن: 11: 19- 20؛ 34: 24؛ 37: 23- 24، 27 وآيات أخرى).
لن تتمَّ وعود نعمة يهوه هذه تماماً إلاَّ عندما لا تبقي أيُّ خطيَّةٍ بعد الله القدُّوس بعيداً عن أولاده المولودين بالرُّوْح مِن جميع الأمم. وهنا ينبغي ألاَّ ننسى أنَّ الحقَّ بالنِّعمَة مبنيٌّ على موت يَسُوْع الكَفَّارِيّ عِوَضاً عَنَّا. فبدون ذبيحة المَسِيْح الكَفَّارِيّة لا يقدر الله أن يسكن مع شعبه العنيد. ويبقى الحَمَل المذبوح هو الطَّريق الوحيد إلى الله (يُوْحَنَّا 14: 6). بدون يَسُوْع لا يقدر
القدُّوس أن يسكن لا مع الأفراد ولا مع الشُّعوب.
يدهش مَن يقرأ كلمات الملاك في المخطوطات اليونانيَّة لورود أكثريَّة هذه النُّصوص الأصليَّة بصيغة الجمع وليس المفرد: "سيكونون شعوبي". وتؤكَّد هذه العبارة مِن خلال سفر الرُّؤْيَا (21: 24، 26 و22: 2). فمنذ صعود المَسِيْح لم يعُد إسرائيل هو وحده شعب الله المختار، بل أصبح جميع المدعوِّين مِن الأمم (جماعة المؤمنين ecclesia) شعب الله أيضاً. وقد عبَّر بطرس النَّاطق بلسان الرُّسل عن حقَّ إسرائيل الأساسي "في أن يكون شعب الله" بكلامٍ قويٍّ عن جميع المَسِيْحيِّين المولودين ثانيةً، فشهد قائلاً: وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ شَعْبُ اقْتِنَاءٍ لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. الَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ (1 بطرس 2: 9- 10؛ قارن: خروج 19: 6؛ تثنية 4: 20؛ 7: 6- 7؛ إِشَعْيَاء 43: 1، 21؛ متَّى 21: 43؛ أَعْمَال الرُّسُلِ 28: 25- 28؛ رومية 9: 24- 28؛ أفسس 5: 8؛ رؤيا 1: 6؛ وآيات أخرى). ليس للكنيسة الكاثوليكيَّة الامتياز في تطبيق هذه الوعود على الكاثوليك وحدهم؛ فالرُّوْح القُدُس يهبُّ حيث يشاء ويُنعش كلَّ مَن يقرأ كلمة الله ويُصدِّقها ويحفظها (لوقا 11: 28).
ينبغي ألاَّ نراقب بعنايةٍ مباركتنا فحسب، بل أن نكون أيضاً مسؤولين عن جميع شعب الله، وإلاَّ فإنَّنا نعرِّض أنفسنا لخطر الغرور الرُّوْحي والدَّوران حول محورنا نحن فقط.
الصّلاة: أَيُّهَا الآبُ الرحيم، نُعَظِّمكَ، لأنك لم ترفُضْ شعبك المتشبِّث العنيد، بل صالحتهم معك بيسوع المسيح، ودعوتَنا نحن أيضاً لنكون شعبك وخاصَّتك. نشكرك ونُسبِّحك لأجل ذبيحة يسوع الذَّاتية، التي تؤهلنا لنصبح مستحقين الحصول على عضوية شرعية في أُمَّتك الرُّوحية. علِّمنا كيف ندعو الغرباء البعيدين عنك فنجتذبهم إليك. آمين.

ورد قبلاً في رؤيا تشير إلى وجود الله مع شهداء كنيسة المَسِيْح المضطهَدة في (رؤيا 7: 15- 16) أنَّ الله القدُّوس يَحِلُّ فَوْقَهُمْ. أمَّا الآن فنقرأ أنَّ القدير في الاكتمال سيسكن مع المختارين حيثما عاشوا ووُجدوا.
كان آباء العَهْد القَدِيْم عالمين بالسّر المخلِّص والحافظ للحضور المواكب لله. لم يخشَ الرّبّ أن يدعو نفسه إله إبراهيم وإسحق ويعقوب (تكوين 28: 13، 15؛ خروج 3: 6، 15- 16؛ 4: 5؛ 6: 3؛ 32: 13؛ 1 ملوك 18: 36؛ متَّى 8: 11؛ 22: 32؛ مرقس 12: 26؛ أَعْمَال الرُّسُلِ 3: 13). ولم يشأ الرّبّ، بسبب علاقته الحميمة بإبراهيم، أن يُخفي عنه أحداث المستقبل "هَلْ أُخْفِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ مَا أَنَا فَاعِلُهُ؟" (تكوين 18: 16- 18) فأقسم له أن يُكثر نسله المطيع للإيمان كنجوم السَّماء ورمل الشَّاطئ (تكوين 15: 5، 22: 16- 18؛ 26: 4؛ خروج 32: 13 وآيات أخرى).
ومع شعبه العنيد مضى الرّبّ عبر الصَّحراء مدَّة أربعين سنة ولم يرفض الشَّعب العنيد إذ صلَّى موسى لأجلهم مرَّةً تلو الأخرى (خروج 33: 13- 17؛ 34: 9 وغيرها). كان حضور الرّبّ قوَّتهم الوحيدة وبركتهم الدَّائمة، فبدونه لم يقدروا أن يفعلوا أيَّ شيءٍ صالحٍ.
ونظير موسى، أخذ خَلَفُه يشوع مِن الرّبّ وعد حضوره القاطع في جميع الظُّروف: أَمَا أَمَرْتُكَ؟ تَشَدَّدْ وَتَشَجَّعْ. لاَ تَرْهَبْ وَلاَ تَرْتَعِبْ لأَنَّ الرّبّ إِلَهَكَ مَعَكَ حَيْثُمَا تَذْهَبُ (يشوع 1: 9).
سواء كان داود أو إيليَّا، إِشَعْيَاء أو إرميا، أو أيّ نبيٍّ وشاهدٍ للإله الحيِّ، عاشوا جميعاً على النِّعمَة والقوَّة الآتيتَين مِن حضور الله غير المنظور.
بواسطة ولادة المَسِيْح حدث حضور الله بين النَّاس في مرحلةٍ أعلى. في المَسِيْح تمَّ وعد النَّبي إِشَعْيَاء التالي: وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً, هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (الله معنا) (إِشَعْيَاء 7: 14). في يَسُوْع عاش الله قريباً جدّاً مِن النَّاس كي يُحقِّق غاية تجسُّده: إِنَّ اللهَ كَانَ فِي المَسِيْح مُصَالِِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ (2 كُوْرِِنْثُوْس 5: 19). احتمل الرّبّ ذنب جميع الخطاة وتألَّم كبديلٍ لتأديبنا وقصاصنا.
كان حضور الله في العَهْد القَدِيْم مع شعب عهده لا يُحافَظ عليه إلاَّ بمصالحة الخطاة كلَّ يومٍ أو حتَّى كلَّ ساعةٍ مع الله القدُّوس بجميع أنواع الذَّبائح. وبذلك تبقى ذبيحة ابن الله الذَّاتية الأساس الشَّرعي الوحيد الفعَّال لسكن الله معنا. لذلك أكَّد المصلوب المقام لتلاميذه: هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ (متَّى 28: 20).
بعد الصُّعود حلَّ الرُّوْح القُدُس كقوَّة الله في أتباع المَسِيْح المصلِّين لأنَّ يَسُوْع كان قد كفَّر عن خطايا جميع النَّاس على الصَّليب. يجعلنا حَمَل اللهِ مستحقِّين حضور الله. ونحن لا ننال جميع العطايا والقوَّة الأبديَّة مِن الله مباشرةً، بل بواسطة المَسِيْح وحده؛ فهو الطَّريق الوحيد والحقُّ اليقين والحياة الأبديَّة. هو نورنا وقوَّتنا وقيامتنا (متَّى 28: 18؛ يُوْحَنَّا 8: 12؛ 11: 25- 16؛ 14: 6؛ وآيات أخرى) الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ (كولوسي 2: 3).
يمكن وصف الاختبار المتعدِّد لحضور الله في كنيسة يَسُوْع الذي أحدثه الرُّوْح القُدُس بالمَزْمُوْر 23 أو شهادات الرُّسل (أَعْمَال الرُّسُلِ 12؛ 6- 17؛ 16: 6- 8؛ 27: 1- 28؛ 10؛ 2 كُوْرِِنْثُوْس 6: 3- 10؛ 12: 9- 10؛ وآيات أخرى). وقد أثبت المثل التَّالي تكراراً صحَّته: "حيثما تشتدُّ الحاجة يكن الرّبّ قريباً جدّاً". ويمكن كلَّ مَن يريد فهم كيفيَّة أسلوب شركة النَّاس مع الله أن يقرأ باهتمامٍ ما قاله أحد شيوخ الكنيسة أمام عرش الله:
فَقَالَ لِي هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ أَتَوْا مِنَ الضِّيقَةِ الْعَظِيمَةِ وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ الْحَمَل. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ اللهِ وَيَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ وَالْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ. لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرِّ لأَِنَّ الْحَمَل الَّذِي فِي وَسَطِ الْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ (رؤيا 7: 14- 17).
يمكننا مِن الشَّهادة السَّابقة أن نُخمِّن الشَّركة التَّامة مع الله كما ستكون في الخليقة الجَدِيْدة بعد عودة المَسِيْح والأَلْف السَّنَةِ.
مِن المستغرَب أن يقرأ المسلمون كلاماً مشابهاً في قرآنهم: "لاَ تَحْزَنْ إِنَّ
اللَّهَ مَعَنَا" (سُورَةُ التَّوْبَةِ 9: 40). فهم يحسبون أنَّ حضور الله وملائكته في الجهاد المقدَّس سيحقِّق لهم النَّصر على أعداء الإسلام ويهب لهم بعد النَّصر غفران خطاياهم (سورة الفتح 48: 1- 12). يأمرهم إلههم بالانتقام مِن أعداء الإسلام ويدعو أتباعه إلى القتال الدَّموي. ويلعن كلَّ مَن يشهد أنَّ المَسِيْح هو ابن الله (سورة التَّوبة 9: 30). الله ليس موجوداً في جنَّة المسلمين، فهو يعيش على نحوٍ لا يمكن الوصول إليه ما وراء جنَّة عدن، ولا يتوق إلى شركةٍ حقيقيَّةٍ مع عباده. ليس لإله الإسلام أيّ شيءٍ مشتركٍ مع أبي يَسُوْع المَسِيْح؛ فإله الإسلام ليس إلهاً، بل هو روحٌ ضدّ الله. الإله الحقيقي مملوءٌ محبَّةً قدسيَّةً وهو يحوِّل أتباع المَسِيْح إلى أناسٍ راغبين في المسامحة بواسطة المحبَّة (1 يُوْحَنَّا 4: 16). معهم سيعيش يوماً ما في شركةٍ مقدَّسةٍ. أمَّا إله الإسلام فيبقى بعيداً عن جميع مسلميه.
الصّلاة: أَيُّهَا الرّبّ يسوع المسيح، نُعَظِّمكَ، لأنّك أنت وحدك الطريق إلى الله، وقد أعطيتنا الحقَّ أن نبقى أمامه ونثبت فيه، كي نختبر حياته الروحية الأبدية. ونشكرك لأنَّنا حصلنا على هذه الامتيازات فقط بفضل تبريرنا المجاني بدمك المسفوك لأجلنا، ونحن ما زلنا خطاةً، لنصبح أولاد ألله ونعيش معه وأمامه في كل حين. آمين.

يصف الملاك أبا يَسُوْع المَسِيْح بالإله المُعزِّي. وقد اختبرالرَّسُوْل بُوْلُس هذا السِّر فشهد قائلاً:
مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوْع المَسِيْح أَبُو الرَّأْفَةِ وَإِلَهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ 4 الَّذِي يُعَزِّينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَزِّيَ الَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِالتَّعْزِيَةِ الَّتِي نَتَعَزَّى نَحْنُ بِهَا مِنَ اللهِ، لأَِنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ المَسِيْح فِينَا كَذَلِكَ بِالمَسِيْح تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا (2 كُوْرِِنْثُوْس 1: 3-5).
كان يَسُوْع ابن الله قادراً بسلطانه أن يدعو الحزانى مباركين لأنَّه وعدهم بروح التَّعزية مِن الآب الذي يغلب كلَّ ألمٍ في العالم: طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَِنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ (متَّى 5: 4). وأمر أرملةً مات ابنها ألاَّ تبكي بعد، وأقام ابنها مِن الموت لأنَّه تحنَّن عليها (لوقا 7: 13- 15). شبَّه يَسُوْع أباه السَّمَاوِيّ بأبٍ أرضيٍّ انتظر بشوقٍ ابنه الضَّال، وعندما رآه أخيراً مِن بعيدٍ آتياً إلى بيته هرع الأب إليه وعانقه وقبَّله (لوقا 15: 20). فاعترف الابن الضَّال باكياً بخطاياه أمام أبيه (لوقا 15: 21). أمَّا الأب فاحتضن ابنه بعباءة برِّه ودعا جميع النُّزلاء ليفرحوا معه بعودة ابنه الضَّال (لوقا 15: 22- 24).
لقد غلب يَسُوْع بموته على الصَّليب أصل كلِّ بؤسٍ وحمل الخطيَّة كسبب لانفصالنا عن الله. فموته يُعزِّينا ويجعلنا مقدَّسين وأبراراً.
في الاكتمال سيُعلن الله مجده. وستُبرهَن محبَّته للذين بدون تعزيةٍ كتعزيةٍ شافيةٍ. وسيمسح كلَّ دمعةٍ مِن عيوننا مثلما تُعزِّي الأمُّ أولادها.
قد يبكي المقدَّسون أيضاً، مثلاً بسبب ضياع فرصٍ لخدمة الرّبّ، بسبب أشخاصٍ ضالِّين كانوا قد خدموهم ولكنَّهم تقسّوا ضدّ الإنجيل. يذرف المحبُّون دموع الحنان عندما يفكِّرون بالآلام المفرطة التي كان على الشُّهداء أن يُعانوها. يَسُوْع نفسه بكى على أهل أُوْرُشَلِيْم المتقسِّين (لوقا 19: 41) وعلى قلَّة إيمان المستقيمين عند موت لعازر (يُوْحَنَّا 11: 33- 38). فمَن ذا الذي يبكي بسبب عدم معرفة ثلثي البشر يَسُوْع بعد؟
كما كان شيخٌ قد شهد أمام عرش الله (رؤيا 7: 17)، بالطَّريقة نفسها أكَّد الملاك الذي يصف اكتمال الخليقة الجَدِيْدة أنَّ الله سيمسح كلَّ دمعةٍ مِن عيون الظَّافرين الذين أسماؤهم موجودةٌ في سفر حياة الحَمَل. ستصمت أسئلتهم عندما يكونون في ذراعيه المعزِّيتين.
لا يمانع الإله الأبديُّ أن يُدعى أباً رحيماً، أو أن يقوم بدور أمٍّ رؤومٍ تضمُّ ولدها إلى صدرها عندما يبكي. إذا كان حنان الأمِّ يشفي جراح النَّفس، فكم بالحريِّ يشفي حضور الإله الحنَّان إلى التَّمام كلَّ حزنٍ وضيقٍ ويأسٍ وتبكيت ضميرٍ وذكرى مخيفةٍ ممَّا قد يُزعج القدِّيسين حتَّى في الأبديَّة! في حضور الله ينتهي كلُّ ألمٍ.
كان الرّبّ قد أكَّد لإِشَعْيَاء: أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ (إِشَعْيَاء 51: 12). روحه القدُّوس روحٌ معزٍّ وهو المدافع عن جميع المقرَّبين مِن يَسُوْع (يُوْحَنَّا 14: 16، 26؛ 15: 26؛ 16: 7؛ وآيات أخرى). وكان الرّبّ قد أعلن نفسه للنَّبي إِشَعْيَاء كإلهٍ سيمسح الدُّمُوعَ عَنْ كُلِّ الْوُجُوهِ (إِشَعْيَاء 25: 8). إذا كان الله قد أعلن نفسه معزِّياً أبديّاً في العَهْدين القَدِيْم والجَدِيْد فكم ستشفي تعزيته تماماً جميع جروح ومرارات الماضي وتحوِّلها إلى فرحٍ مقدَّسٍ في الأبديَّة؟!
لا يُعلن الإسلام التَّعزية ولا يمنحها، بل يأتي بالويل والثُّبور على الذين لا يخضعون لشريعته الدِّينية. نقرأ في القرآن أكثر مِن ثلاثمائة مرَّة عبارات البلاء والعذاب والبؤس والألم. ويأمر الإسلام المؤمنين به أن يُرهبوا الكفَّار ويُروِّعوهم حتَّى يخضعوا للإسلام "طوعاً" (سورة الأنفال 8: 60). لا يعرف الإسلام إله محبَّةٍ وتعزيةٍ. ولذلك إذا تمادى المسلمون في بطشهم وقسوتهم فهم يتمثَّلون بسيِّدهم الذي يُضلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ (سُورَةُ الأَنْعَامِ 6: 39؛ سُورَةُ الرَّعْدِ 13: 27؛ سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ 14: 4؛ سورة النَّحل 16: 39؛ سورة فاطر 35: 8؛ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ 74: 31 وآيات أخرى).
الصّلاة: نُعظِّمك وابنك يسوع، لأنَّك تشترك في آلام الذين يُقاسون عذاب الاضطهاد بسبب إيمانهم بأبوَّتك وبنوَّة المسيح، والذين يتألمون بسبب ضعفاتهم، وأخطائهم، وفقدان أقربائهم، إنَّما روحك القدّوس يعزّي مَن يتَّكل على المخلِّص، ويؤكِّد لنا أنَّ الضيقات كلَّها تنتهي بقدرة محبَّتك الأزلية في العالم الجديد. آمين.

يؤكِّد الكِتَاب المُقَدَّس لنا عدَّة مرَّاتٍ أنَّ آخر عدوٍّ لله والإنسان سيهلك هو الموت (إِشَعْيَاء 25: 8؛ هوشع 13: 14؛ 1 كُوْرِِنْثُوْس 15: 26، 54- 55؛ رؤيا 20: 14؛ 21: 4).
ينبغي لنا جميعاً أن نموت لأنَّنا نُخطئ. ليس مَن يعمل صالحاً، ولا واحد. لذلك للموت سلطانٌ شاملٌ. تُذرَف دموعٌ لا تُحصَى على فراق الآباء والأمَّهات والأولاد والأصدقاء. والبؤس الذي ينشأ عن موت هؤلاء غالباً ما يكون قاسياً على مَن خلَّفوا وراءهم.
ولكنَّ المَسِيْح قد قهر الموت عندما غلب سبب الموت الذي هو خطيَّتنا وصوَّر الحياة الأبديَّة بقيامته.
وإذ تثور ثائرة ضدّ المَسِيْح بواسطة الافتراء والتَّعذيب والموت يسقط بسبب محبَّة المقدَّسين للمَسِيْح مخلِّصهم. جميع الذين "في" المَسِيْح لهم حياةٌ أبديَّةٌ. لن يجد الموت أيَّ سلطانٍ عليهم، فبواسطة إيمانهم بالمَسِيْح سيغلبون العالم والموت أيضاً.
ومع هلاك الثَّالُوْث الشَّيْطَاني يُجرَّد الموت مِن أساسه وسلطانه. وكالشَّيْطَان، سيِّده القاسي، يُطرَح الموت في بحيرة النَّار (رؤيا 20: 14).
إنًّ خلفيَّة هذه الرِّسالة المظفَّرة هي الحقيقة أنَّ ما مِن أحدٍ سيُخطئ بعد في الخليقة الجَدِيْدة، لا فِيْ السَّمَاءِ الجَدِيْدة ولا عَلَى الأَرْضِ الجَدِيْدة. لقد استؤصل روح التَّمرُّد والعصيان، وأُزيل كلُّ نوعٍ مِن الإثم بدم الحَمَل وروحه. وحرِّية أولاد الله لن تستدرجهم إلى الاستكبار والاستقلال عن خالقهم، بل على العكس قد وجد التَّواضع واللُّطف أساساً في النَّاس وفي الملائكة أيضاً. لذلك لن يجد الموت أيَّ سلطانٍ عليهم بعد. وما يُدعى "بالمرض المميت" قد غُلب واجتُثَّ في الخليقة الجَدِيْدة. وكلُّ ما يتَّصل بعدوِّ الله هذا قد أُبطِل تماماً.
لهذه الأسباب في عالم السَّلام صمت جميع النَّائحين. فلا صراخ خوفٍ بعد، ولا عويل يائسين.
لقد صمت كلُّ صراخٍ بسبب الحوادث والخزي والعار والعنف والظُّلم والأذى والرُّعب.
وحتَّى آلام الجسد والنَّفس لا توجد بعد في عالم الله القدير وحَمَله.
وإذ ينتهي في بابل الهالكة، الزَّانية العظيمة، كلُّ فرحٍ وحياةٍ، يسود أُوْرُشَلِيْم الجَدِيْدة الفرح المقدَّس والحياة الأبديَّة.
لقد تلاشى نظام العالم القَدِيْم، وانتهى قصاصه ولعنته. وسيملأ سرور الرّبّ فضاء سلامه ومحبَّته (إِشَعْيَاء 35: 10؛ 51: 11؛ 65: 17- 19).

الصَّلَاة
يا رئيس السلام والمنتصر على الموت، نُعَظِّمكَ، لأنَّك رفعت جميع الضيقات والآثام عنَّا، لتصالحنا مع الله، فيعمّ سلامه، وتحل مسرَّته فينا. نستودع بين يديك المسيحيين المضطهَدين، والنساء المعذَّبات، والشهداء المطوَّبين، ليختبروا تعزيتك والحياة الأبدية عندك وعند أبيك السَّمَاوِيّ. ونحمدك لأنك غلبت الموت وسببه، إذ محوتَ خطايانا وقلَّة إيماننا. آمين.
السُّؤَال
ما هي درجات تطور مسكن الله بين البشر، حتى إنَّه فدانا، نحن الأنجاس، وتمركز في بعضٍ منَّا؟ احفظ غيباً دعوتك لتكون عضواً في شعب الله، حسب رسالة بطرس الأولى 2: 9-10! ما هو سِرّ مجيء الله إلى البشَر وسَكَنه في التَّائبين المؤمنين ؟ ما هو الحق الذي يؤهلنا أن نبقى في حضور الله؟ ما هو السِّرُّ والدَّافع في تعزية الله؟ كيف غلب يسوع الموت وسببه؟ وما هي نتيجة هذا الانتصار العظيم بالنِّسبة إلينا؟