Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
6- رسَالة يَسوع المَسيْح إلى رَاعي الكَنيسَة في فيلادلفيا
(رؤيا يوحنا 3: 7- 13)
3:7وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي فِيلاَدَلْفِيَا, هَذَا يَقُولُهُ القدُّوسُ الْحَقُّ, الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ, الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ, وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ.8أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ. هَئَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَاباً مَفْتُوحاً وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغْلِقَهُ, لأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً, وَقَدْ حَفِظْتَ كَلِمَتِي وَلَمْ تُنْكِرِ اسْمِي.9هَئَنَذَا أَجْعَلُ الَّذِينَ مِنْ مَجْمَعِ الشَّيْطَانِ, مِنَ الْقَائِلِينَ إِنَّهُمْ يَهُودٌ وَلَيْسُوا يَهُوداً, بَلْ يَكْذِبُونَ, هَئَنَذَا أُصَيِّرُهُمْ يَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَ رِجْلَيْكَ, وَيَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا أَحْبَبْتُكَ.10لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي, أَنَا أَيْضاً سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ لِتُجَرِّبَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ.11هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً. تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ.12مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُوداً فِي هَيْكَلِ إِلَهِي, وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ, وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلَهِي, وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلَهِي أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلَهِي, وَاسْمِي الْجَدِيدَ.13مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ.

بعد كثير من الفشل والآلام والموت الرّوحي كان من دواعي سرور يسوع أن يكتب مرّة أخرى إلى كنيسة صغيرة فلا يضطرّ إلى أن يبلغ إليها لوماً ونداءً للتّوبة. كان اسم المدينة فيلادلفيا، وكانت واقعة في نطاق إدارة ليسينس. يعني اسم المدينة باليونانيّة "المحبّة الأخويّة" ليس بمعنى الحبّ الجسديّ، بل بمعنى العطف والاحترام المتبادل واللّطف. كان مجمع اليهود في هذه المدينة غاضباً ومغتاظاً جدّاً لأنّ الكنيسة المسيحيّة في المدينة كانت مكوّنة من يهود ومسيحيّين من أصل وثنيّ وادّعت أنّها تتمّة تاريخ خلاص العهد القديم. وفي وسط هذا التّأزم المتزايد أعلن يسوع المسيح نفسه بكلمته الواقعيّة لراعي الكنيسة وكنيسته:

عرّف يسوع نفسه أنّه القدّوس والحقّ وشهد بذلك أنّه هو الذي يعبده السّرافيم في (إِشَعْيَاء 6: 3) بالكلمات: "قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ". يسوع هو الذي بلا خَطِيئَة، بلا كذب، المجيد الذي يعرف حقّ الله وقد تمّمه. نواة مجده المقدّس المحبّة. لهذا السّبب جمع نظامه العالميّ الجديد في وصيّة واحدة وهي أن نحبّ بعضنا بعضاً كما هو أحبّنا (يوحنا 13: 34). وما يتكوّن من نظام الحياة يدعى: فيلادلفيا أي محبّة الإخوة.
سمّى يسوع نفسه لليونانيّين المؤمنين الحقّ . ليس بمعنى الحقّ في الفلسفة الأفلاطونية، بل كحقّ الله المشخّص. حقيقة الله الأبديّ ووحيه المعصوم عن الخطأ. ليست فيه حيلة ولا خداع ولا هو خير الماكرين (سورة آل عمران 3: 54). يسوع هو مقياس الوجود. فوّض بإعلانه ذاته لراعي الكنيسة الذي أنّب ببراهين لتعليمه علماء اليهود فثبّته من جديد وأكّد له أنّه لا يضلّ بإيمانه وبشهادته، بل انه على صواب.
قدّم يسوع نفسه كمالك مفاتيح داود. وهذا الاصطلاح موجود في (إِشَعْيَاء 22: 20- 22) ويشهد أنّ ألياقيم بن حلقيّا أعطي سلطة المفاتيح لكلّ أبواب قصر الملك وخاصّة المخازن كلّها في أورشليم. لم يقدر أحد بدونه أن يفتح باباً حتّى في أزمنة الضّيق. فإذا أغلق باباً لم يقدر أحد غيره أن يفتحه؛ ولذلك دعي أباً لسكّان أورشليم ولبيت يهوذا.
وسّع يسوع هذا الاصطلاح وشهد أنّه يملك مفاتيح الهاوية والموت (رؤيا 1: 18). أعطى يسوع بطرس أثناء حياته على الأرض مفاتيح ملكوت السماوات (متى 16: 19) وسلم يسوع الرّسل جميعاً السّلطان نفسه مرّتين ما داموا ثابتين في قيادة الرُّوْح القدُس (متى 18: 18؛ يوحنا 20: 22- 23).
وكان ينبغي أن يتّضح لأعضاء كنيسة فيلادلفيا المسيحيّين من أصل يهوديّ من شهادة المسيح عن نفسه أنّ داود في الرُّوْح القدُس كان يفتح الباب على مصراعيه للمؤمنين في جميع الأزمنة بترانيمه لحمد الله للتّوبة والاعتراف ولمعرفة ابن داود الذي هو في الوقت نفسه ابن الله (2 صموئيل 7: 12- 14؛ مزمور 2: 7- 12؛ مزمور 110: 1 وما يتبع). فاهتداء اليهود إلى يسوع ابن داود كان الخطوة الصحيحة الوحيدة.
أثبتت كلمة يسوع عن فتح الباب حيث لا يقدر أحد أن يغلقه وإغلاقه حيث لا يقدر أحد أن يفتحه، عظمته في سياق تاريخ الكنيسة وتاريخ الإرساليات. مفتاح المسيح، كلمته، أعظم من جميع القوى الشّيطانية وموانعها. فتح عصر النّعمة لكلّ من يسمعها ويقبلها ويعمل بها. إنّ تواصل عجيبة النّجاة غير المحدودة يوعد بها كلّ شعب وكلّ بيت حيث تفتح كلمة يسوع القلب. ويتواصل حدث الفتح كما في لعبة الدّومينو.
تحمل الكلمة الأخرى عن الإغلاق في الوقت نفسه معنىً معزّياً ومخيفاً. يقدر يسوع أن يغلق الباب أمام الشّر والتّجربة والاضطهاد لكي تنمو الكنيسة وتزداد. ولكن حيث يرمي النّاس عمداً مفتاح يسوع أو يكسرونه أو يحتقرونه هناك يغلق باب النّعمة ببطء. عندئذٍ يبدأ الاتّحاد وتقسية القلوب ضدّ المصلوب. يتألّم بنو إسرائيل من لعنة آبائهم لأنفسهم (متى 27: 25؛ أعمال الرسل 5: 28). عانت روسيا 70 عاماً من سجن الشّيوعية، ولا تزال الصّين شرفة حصن الشّيطان. لا يوجد في الهند كلّها سوى 3% فقط مسيحيّين، وفي أوروبا والولايات المتّحدة الأمريكيّة يمتدّ التّلفيق في مزج الأديان على أساس الإنسانية المزيّفة.
والحمد لله! لم ينتهِ وقت النّعمة بعد، فمفتاح المسيح يدور علانيةً في قلوب اليهود والمسلمين والهندوس والشّيوعيين وأطبّاء الإنسانية، والمناطق المغلقة تفتح. فلنطلبْ إلى يسوع ألاّ يغلق المناطق المفتوحة.

يشهد يسوع لراعي الكنيسة في فيلادلفيا أنّه يعرفه حقّ المعرفة: يعرف مجرى حياته وأعماله. لم يتكلّم الرّب عن ماضيه أو نيّاته أو ضعفاته أو فشله، بل عن الثمر. ماذا يبقى من حياتك؟ ماذا كان يسوع قادراً أن يفعل بواسطتك؟ ما الذي له صفة الدّيمومة في الأبديّة؟
أوضح يسوع له كذلك أنّ أعماله ونجاحه في الأساس لم تكن أعماله الخاصّة، بل عمل يسوع المسيح. لم يكن راعي الكنيسة في فيلادلفيا مميّزاً عن بقيّة النّاس، إلا أنّه لم يمنع ربّه من أن يعمل فيه وبواسطته.
لهذا السّبب قال له يسوع: "افتح عينيك، انظر وأدرك". نقرأ هذا الأمر أربع مرّات في هذه الرّسالة، وهو يشير في كلّ مرّة إلى عجيبة يسوع المسيح الخاصّة. حريٌّ بنا أن نطلب مرهماً للعيون لكي نعرف عمل يسوع المنعم، فلا ننسب عمل نعمته إلينا أو إلى أناس آخرين.
بعد أن فتح الواعظ عينيه ما وسعه أن يفتحهما لكي يرى ما يعلن الآن،قال يسوع: "ها أنذا". تكلّم يسوع في هذه الرسالة سبع مرّات بصيغة المتكلم العامل المنجّي الحامي المنتصر. يقول يسوع لنا أيضاً: "انظر إليّ، فأنا الجواب لمشكلتك. أنا القوّة في نجاحك. أنا رجاء مستقبلك". افتح عينيك وأدرك يسوع أكثر فأكثر، فتستمدّ منه قوّة كبيرة لك ولكنيستك.
أكّد يسوع لعبده في فيلادلفيا:

أوضح يسوع للمسؤول أنّ أعماله تبقى عمل نعمة يسوع. أعطى الرّجل قبلاً فرصة. انتهزها هذا وتمسّك بها. أمّا يسوع فكان هو الذي دفعه ليمرّ بواسطة الباب المفتوح. ولم يقف متردّداً. كان الرّاعي مطيعاً ولم يشكّ. نما في الإيمان وتبع آثار قدمي يسوع المسيح الذي سار قدّامه. تبعه إلى فرح سيّده وإلى ذهابه إلى ملكوته.
باكتشاف طريق البحر إلى الهند سنة 1479 وعبور الأطلس إلى الأمريكتين، فتح يسوع ليس باباً واحداً فقط، بل أبواباً كثيرة. وسمح خدّام كثيرون للرّوح القدس أن يحرّكهم ويرسلهم، لأنّ إلهنا "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1 تيموثاوس 2: 4).
فتح يسوع القارّات الخمس لإنجيله. لا يقدر أيّ عقل أو برنامج حزبيّ أو حكومة أو مخابرات أن توقف أو تمنع بثّ الرّاديو والكرازة في الانترنيت وبذل المبشّرين في مهنتهم أو شهادة المسيحيّين المواطنين. لا يقدر أي عدوّ أو صديق قصير النّظر أن يغلق أبواب المؤسسات العالميّة التي فتحها يسوع بقوّة عظيمة
اليوم يسمع كلمته أبناء إبراهيم أيضاً. يأتي أفراد عديدون منهم إلى يسوع. و في بلاد الشّيوعية يسأل الآلاف عن الله وعن روحه. من يعرف الأبواب المفتوحة اليوم؟ من يعبرها ولا يتردّد؟

لا نعلم إنْ كانت الإشارة إلى القوّة اليسيرة تعود إلى العضلات أو الشّهادات المدرسيّة أو المال أو الجمال أو الصّوت أو السّمعة الحسنة عند السّكان. ربّما كان لراعي الكنيسة مواهب روحيّة قليلة فلم يتبعه إلا قلّة. ربّما لم تكن له واسطة في الحياة و بالتّالي لم يكن له تأثير على المجتمع.
لم يكن له غير يسوع. سمعه وعاش من كلمته. أمّا كلمة الرّب هذه فكانت ديناميتاً روحيّاً، كما قال بولس: "لأنّي لست أستحي بإنجيل المسيح لأنّه قوّة الله للخلاص لكلّ من يؤمن". يحتوي هذا الإنجيل على سلطان المسيح: سلطته الخالقة، ومحبّته الشّافية، وحيثيّته لمغفرة الخطايا، وكلمة الله المعزّية، وقوّته المجدّدة. من يؤمن بكلمة الرّب ويحفظها يقبل الله نفسه وابنه في داخله.
شهد يسوع لخادمه بأنّه لم يقرأ كلمته فحسب، بل تمعّن فيها ونقلها إلى الآخرين، بل وحفظها أيضاً "خبّأها في قلبه". لم تَبْقَ الكلمة عنده فكراً لاهوتيّاً، بل أصبحت القوّة الدّافعة وحكمة حياته. الحفظ غيباً حسن، والعمل بحسب كلمة الله أحسن. كلاهما يكمّل ويضاعف بركة يسوع. ينبغي لنا أن نأخذ الوقت لنفكّر بكلمة المسيح ونكتبها ونحرّكها ونحدّث الآخرين بها لكي ينصبّ كلّ غنى يسوع المسيح في كنائسنا. من يلحّن ويرنّم كلمة الله يضاعفها.
يشهد يسوع لحارس الكنيسة الصّغير بأنّه تمسّك باسمه ودافع عنه ولم ينكره. جاء اسم يسوع 975 مرّة في العهد الجديد باليونانيّة، وأمّا لقبه المسيح فيشهد به 569 مرّة، ويذكره كربّ 260 مرّة.
ربّما عارض اليهود التّقليديون في فيلادلفيا شهادة شهود المسيح القائلين إنّ يسوع هو الرّب والمسيح. فرنّت هذه الشّهادة في آذانهم كتجديف وعنت تهجّماً على تاريخ شعبه الطّويل وعلى ديانتهم وكرامتهم. لكنّ راعي الكنيسة استشهد بتقارير شهود العيان وشهد بكلمات يسوع وأفعاله، بمحبّته وقداسته، بقوّته وعظمته. أحبّ يسوع، وآمن بقيامته وصعوده إلى السّماء، ووظيفته كرئيس كهنة لجميع أتباعه أمام عرش الله. اختبر مغفرة خطاياه وعاش في قوّة الرُّوْح القدُس. لم يشهد يسوع من السّمع بل عاش معه وحمده. ومن أجل هذا الاسم هوجم وأُبْغِض وأُنكِر وقُمٍِع وأُبعِد، فاحتمل هذا كلّه لأنّه أحبّ يسوع.
هذا هو السّؤال عن شهادتنا لضميرنا: بأيّ مقدار نحبّ يسوع؟ كم مرّة نفكّر فيه؟ كم من الوقت نصرف لنقرأ رسائل محبّته إلى البشر ونفكّر فيها نقولها بحماس للآخرين؟ كم نحفظ كلمته المقدّسة و ندافع عن اسمه؟ إن من ينسى يسوع أو ينكره أو يرفضه يدين نفسه، فيسوع حياتنا وسلامنا وقوّتنا، وبدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً.
الصَّلاة: أيُّها الرَّبّ يسوع، نتهلل ونفرح معك، لأنّ راعياً واحداً مِن السبعة سبّب لك مسرّة. إذ منحت له بابا مفتوحاً للخدمة، فدخل رغم قوّته القليلة. نما فيه حفظ كلمتك، واستنتج منها القوّة السماوية، وهو معترف باسمك وألقابك مجاهرة، وأثر بها على أعدائك. ساعدنا لنخدمك مخلصين، ونعترف بقدرة محبّتك، عندئذ لا يستطيع أحد أن يغلق الباب المفتوح أمامنا.

ترنّ كلمة الإنذار "هاأنذا“ مرّتين في هذه الآية. كان الحدث المثير في فيلادلفيا هو اهتداء بعض اليهود المعارضين وتوبتهم توبة نصوحاً. ولكنّ يسوع شهد حالاً ثلاث مرّات بصيغة المتكلّم أن ليس راعي الكنيسة هو الذي أقنع اليهود بل يسوع هو الذي تدخّل في حياتهم وفتح عيونهم وأذهانهم حتّى أدركوا أنّ يسوع هو مسيح اليهود وفي الوقت نفسه منجّي البشر.
اتّضح لليهود أنّهم ظلموا راعي الكنيسة عندما شتموه وافتروا عليه كذباً وأبغضوه، لأنّهم عرفوا من سيرة حياته وسمعوا من فمه أنّ هذا الوثنيّ كان حقّاً رسول المسيح في فيلادلفيا. سجدوا أمام رجليه واعتذروا منه وسجدوا ليسوع لأنّه وهب الخلاص للوثنيّين أيضاً، وربّما طلبوا من راعي الكنيسة أن يتوسّط ليسوع من أجلهم لأنّهم أدركوا أنّهم جدّفوا على ملكهم وحاربوه شخصيّاً.
دعا يسوع أحد المجامع المحلّية للمرّة الثانية في رسالته "مجمع الشّيطان". لم يهتد جميع اليهود في فيلادلفيا، بل قليلون منهم إلى الإيمان الحقيقي بيسوع، بينما بقي معظمهم رافضاً المسيح، فقسّوا قلوبهم على الإنجيل ودخل فيهم روح الشّيطان. تمسّكوا بربّهم بواسطة ناموس موسى ورفضوا نعمة يسوع المسيح المجّانية.
شهد المسيحيّون باحترامهم لإبراهيم وموسى وداود وعاشوا إلى حدٍّ بعيدٍ بحسب الوصايا العشر، ولكنّ اليهود كانوا لاحقاً قد انضووا إلى 613 حكماً من أحكام النّاموس من التّوراة و منها 248 وصيّة و 365 تحريماً. وضعت هذه الوصايا طريق حياتهم وشريعتهم وطريقهم إلى السّماء. تمسّكوا بكلّ قواهم بالسّبت وباختتانهم وبعهدهم. كانت الشّعوب كلّها في نظرهم نجسة وجاهلة لأنّها لم تعرف الله الواحد الأحد ولم تحبّه.
ولكنّ راعي الكنيسة شهد لهم بالعهد الجديد بالمعمودية والعشاء الرّباني، وحاول أن يفسّر لهم حلول الرُّوْح القدُس في أتباع يسوع. أكّد لهم أنّ برّنا يؤسّس على ذبيحة المسيح الكفارية وحدها، وليس على أعمالنا الصّالحة. لقد اختتن كلّ مسيحيّ في القلب روحيّاً لا في الجسد. وهو يحتفل يوم الأحد بقيامة يسوع المسيح مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ.

رأى يسوع في ناموس موسى المؤدّب الذي يرشد بني إبراهيم إلى التّوبة وكسر كبريائهم وبرّهم الذاتي تمهيداً لمجيئه. لقد أمل أن يستقبلوه بأذرع مفتوحة ملكاً لهم وربّاً ومسيحاً، ولكنّهم تمسّكوا بالنّاموس كدرع ضدّه ورفضوه وأرادوا أن يكفروا عن خطاياهم بأنفسهم.
أوضح يسوع أنّ كلّ إسرائيلي لا يعرفه ولا يقبله ولا يعترف به ليس يهوديّاً حقيقيّاً، بل هو سجين لعماه الروحي ويعترف بعكس الحقّ. يعترف يسوع وبولس أنّ كلّ يهوديّ حقيقيّ يحبّ يسوع ويشهد به مثلما تمسّك الرّسل والكنيسة الأولى بالشّريعتين القديمة والجديدة، وبالعهدين القديم والجديد معاً. يسوع هو اليهوديّ المثاليّ. من آمن به تبرّر. أمّا الاختتان بالجسد وحفظ السّبت وربط الذراع بسير الصّلاة فهذه كلّها لا تغيّر القلب. دم المسيح وحده قادر أن يغيّر قلب اليهوديّ أيضاً ويطهّره ويقدّسه.
يشهد يسوع لراعي الكنيسة في فيلادلفيا بأنَّ له قوّة يسيرة. أمّا يسوع الذي اخترق مجال سلطة الشّيطان فقد أنار بعض طلاّب الحقّ في المجمع وقادهم إليه بواسطة روحه ليعترفوا علانيةً أنّ راعي الكنيسة هو حبيب المسيح.
إنّ اعتراف يسوع في سبيل المحبّة هو سرّ المسيحيّ. أصبح ابن الله إنسانا حتّى يعيش إنساناً واحداً بالقداسة واستحقّ أن يموت عوضاً عنّا كحَمَل اللهِ. صليب المسيح هو علامة محبّة الله لجميع النّاس. جميعنا أحبّاء الآب لأجل ابنه. ولا يستطيع مَن ينكر الصَّلِيْب ومحبّة الله للمسيحيّين (سورة النّساء 4: 157؛ سورة المائدة 5: 18) أن يغيّر شيئاً من هذه الحقيقة، فالله يحبّ كلّ إنسان "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ, لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3: 16).
إلى جانب محبّة الله التي ختمت على الصَّلِيْب لكلّ خاطئ، شهد المسيح بمحبّته لراعي الكنيسة في فيلادلفيا. أحبّه لأنّه تمسّك بكلمته، ولم ينكر اسمه بالرّغم من الهجمات العنيفة. ومع أنّه لم يرَ مخلصه، وضع نفسه بكلّ كيانه لأجله، فأحبّ يسوع هذا الرّجل وشرح صدره وأعدّ له فرحاً.
علينا أن نسأل أنفسنا: هل نحن من أحبّاء الله؟ هل نسبّب ليسوع فرحاً بخدمتنا؟ أم نزيده آلاماً بسيرة حياتنا؟

عمّق يسوع أسباب محبّته لعبده الصّغير وأعاد: "حفظت كلامي"، لكنّه وسّع الجملة وقال: "حفظت كلمة صبري". كان للمعارضة العنيفة من جهة اليهود في فيلادلفيا أن تؤدّي إلى البغض أو الاستسلام وربّما إلى شعور راعي الكنيسة بالنّقص أمام الأحبار العلماء. ولكنّه لم يكن هكذا لأنّه تيقّن من محبّة يسوع المسيح, ولذلك سامحهم على اتّهامهم إياه وتشويه سمعته واحتملهم بصبر وصلّى باستمرار لأجلهم. لم يفقد الأمل في أن يدرك المتأصّلون في كتاب العهد القديم أيضاً مجد ابن الله.
تحققت في فيلادلفيا كلمة بولس "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيْب عِنْدَ اليهود عثَرَةٌ ولليُونَانيِّينَ جَهَالَةٌ, وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ بالمِسِيْحِ فَهِيَ قُوَّةُ اللَّهِ وحِكمته" (1 كُورنْثوْس 1: 18- 25). اختبر هذا أيضاً المسيحيّون من أصل يهوديّ الذين انضمّوا إلى كنيسة الهلينيين في فيلادلفيا، فأصبح الصَّلِيْب لديهم صلة الوصل المبنيّة على الشّريعة والحياة السّطحية عند اليونان والرُّوْمَان. اتّحد في الصَّلِيْب أتباع المسيح من الحضارتين وبهذا تحقّق اسم فيلادلفيا من جديد أي "محبّة الإخوة".
استطاع يسوع أن يمنح نبوءة جديدة لأجل السّلام في هذه الكنيسة. تكلّم عن "ساعة التّجربة" التي ستأتي على كلّ الأرض. تعني التّجربة الإغراء للسّقوط من وحدة الثالُوْث الأقدس. ولذلك علم يسوع جميع أبناء الله أن يصلّوا: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ, لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ" (متى 6: 13). غالباً ما تخرج التّجارب الحقيقيّة من الشّيطان وعبيده، فهو الذي أغرى حوّاء لليأس وعدم الطاعة وإلى الثورة ضدّ الله ( تكوين 3: 1- 19). وكان يريد أن يوقع يسوع نفسه في خلاص بدون الصَّلِيْب (متى 4: 1- 11). حذّر يسوع تلاميذه مراراً من أنّ أنبياء كذبة كثيرين وأضداداً للمسيح سيظهرون لكي يضلّوا المؤمنين (متى 24: 24؛ 2 تَسَالُوْنِيْكِي 2: 9- 10؛ رؤيا 13: 14). لقد أثبت يوحنا مستلم الإعلان نبوّة يسوع وأعطى الكنيسة مقياساً يساعدها على تمييز المجرّبين وكشفهم (1 يوحنا 2: 20- 24؛ 1 يوحنا 4: 1- 6).
يحاول الشّيطان مراراً وتكراراً أن يقود الإنسان إلى الكبرياء، فيوسوس في أذنيه مثلاً أنّ فردوس العمّال الاشتراكي أو مجتمع الرّفاهية الرأسمالي سيحلاّن مشاكل البشريّة ويقودانها إلى حرّية مطلقة ومساواة وأخوّة (فيلادلفيا) لا حدود لها.
تنبت اليوم في مدن العالم الكبيرة ناطحات السّحاب كتقليد مضاعف ألف مرّة لبرج بابل. والنّداء إلى نظام عالميّ جديد بوحي من الشّيطان يدفع البشريّة عن طريق اتّحادات عديدة إلى حكم ضدّ المسيح العالميّ. تربطنا شبكة المواصلات (www = 666 ) كلّنا معاً في حلف مخيف. لا سيّما وأنّ بعض الأديان بالأخصّ ينتفخ لأنّ خمس ربح مبيع النّفط يعود دائماً إلى تقويته ونشره. وممّا لا شكّ فيه أنّ ضدَّ المسيح قد أظهر أنّه أهمّ الأنبياء الكذبة الذي طعّم خمس البشريّة ضدّ ابن الله وصلبه.
تتضمّن نبوّة يسوع عن التّجربة مفاجأة مدهشة بالنّسبة إلى راعي الكنيسة في فيلادلفيا وبالتالي إلى كنيسته: سيحفظه الرّب من ساعة التّجربة لأنّه حفظ كلمة صبره.
يعني وعد يسوع استثناءً وامتيازاً كبيراً للمتضلّعين من الكتاب المقدّس والمؤمنين المرتبطين بالمسيح. قد تأتي ساعة التّجربة سريعاً أو بلطف. بقي راعي الكنيسة مستتراً منها سالماً. لم تصبه أو تصله لأنّه كان مؤسَّساً في المسيح كلمة الله. لم يسقط في التّجربة لأنّ ربّه حماه من التّجربة. لا تعني التّجربة دائماً الاضطهاد، فالاضطهاد هو مجرّد وسيلة الشّيطان الأخيرة لتجريب المسيحيّين كي يرفضوا ابن الله وأباه. شدّد بولس على أهل أفسس أن يلبسوا سلاح الله الكامل لكي يقاوموا في يوم التّجربة ويتغلّبوا على سلطة الشّرير باسم يسوع (أفسس 6: 10- 20). طبع في ذاكرتهم: "حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ, الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ, وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللَّه"ِ.
لخّص يسوع وعده لراعي الكنيسة في كلمة الرّجاء المجيدة والدّعوة المشجّعة:

نقرأ هنا للمرّة السّادسة كلمة "ها أنا" في هذه الرّسالة إلى الكنيسة. كان على الواعظ أن يدرك ويرى شيئاً رائعاً. كان الجواب كما في السّابق: "ها أنذا". عليه أن يعرف يسوع ربّاً وملكاً آتياً ويحفظه أمام عينيه ويكون هدفه الواضح في عمله وتركه موجّهاً إليه. ليس الموت هو الذي يجلب النّهاية للفرد بل بالأحرى نقطة نهاية تاريخ العالم اختراق مجد ابن الإنسان الذي يضيء أسطع من الشّمس كما بيّن هذا يوحنا في رؤياه الأولى في بطمس. سيضع الله أعداء يسوع موطئاً لقدميه (مزمور110: 1).
لا نستطيع أن نغلب الشّيوعية، أو الرّأسمالية، أو الهندوسيّة، أو عبادة مريم، أو اليهوديّة المضادّة للمسيح، أو أيَّ ديانةٍ تنكر ابن الله وصليبه. لكنّ الآب سيكرم الابن ويخضع له الأرواح النّجسة والقوى الثائرة كلّها لكي يدينها ويدوسها رماداً تحت رجليه المتوهّجتين. يعني مجيء يسوع الثاني انطلاق موكب النّصر ظاهراً في الأرض. وكما يبرق البرق من الشّرق إلى الغرب هكذا يفاجئ مجيء يسوع المجيد جميع سكّان الأرض (متى 24: 27 و 30). قال يسوع: "هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً". إننا نقترب من مجيئه، وفي كلّ ثانية نصبح أقرب. ومتى جاءت التّجربة العالميّة والضّيق العظيم على جميع شعوب الأرض (متى 24: 29) يكون مجيئه قريباً منّا. يجب ألاّ نجرّب أن نحسب وقت مجيئه مسبقاً ونعيّنه، بل أن نصحو وننتظر ونهيّئ أنفسنا له. ربّما تباطأ في المجيء لكي يعطي الشّعوب والألسنة والأديان كلّها الفرصة ليسمعوا إنجيله. حتّى الآن يسمّي ثلث البشر أنفسهم مسيحيّين، أمّا المليارات الثلاثة أو الأربعة الأخرى فلم تسمع بخلاصه. على كلّ من يتشوّق بعد إلى مجيء المسيح ويتذمّر داخلياً من أنّ الرّب تمهّل أن يضع نفسه فوراً تحت تصرّفه بالصّلاة والمال والحياة لأجل تبشير العالم. يوجد بعد الكثير لنعمله حتى يكون كلّ شيء جاهزاً لمجيئه. أعدّ أنت أيضاً طريق الرّب.
حمد يسوع راعي كنيسة فيلادلفيا حمداً عظيماً، فقال له: "تَمَسَّكْ بِمَا عِنْدَكَ لِئَلاَّ يَأْخُذَ أَحَدٌ إِكْلِيلَكَ". يمكن أن يعني الإكليل أنّ هذا الرّجل كان من أبرّ رعاة الكنائس في أسيا الصّغرى وأكثرهم صبراً. تمسّك بكلمة الله ودافع عن اسم يسوع حيث كان ضروريّاً. كان الواعظ نفسه صغيراً في حركة مدينته الهلينية، ولكنّ يسوع جهّز له إكليلا في السّباق حول خدمات مقدّسة في نزاع متزايد.
كان الرّجل يملك شيئاً لم يعرفه الآخرون ولم يقدروه: كانت كلمة الله قوّته واسم يسوع مفتاحاً لملكوت السماوات. عرف واعترف أنّ المصلوب ليس ميتاً بل هو حيٌّ ويحكم ويأتي وينتصر. لم يميّع إنجيله بشريعة اليهود أو بفلسفة اليونانيّين. تمسّك بما عنده ولذلك لم تبرح قوّة الله منه.
لكنّ ركضه لم ينته بعد. وهو لم يكن يلبس الإكليل على رأسه أثناء ركضه، بل عاش من فداء الإنجيل القويّ كما قال يسوع للشّيطان: "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ, بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ" (متى 4: 4). بالنّظر إلى هذا الوعد وبيد يسوع المسيح المرشدة أراد أن يتمّم ركضه. وثق بحضور المسيح وأيقن أنّ العدوّ الشّرير لم يستطع التّسلط عليه.

من وماذا كان على راعي الكنيسة أن يغلب بعدما غلب كثيراً فيما بعد؟ ليس أقلّ وليس أكثر من كذبة الشّيطان وسلطته وحيلته وماله ومجتمعه. أعدّ الشّيطان تضليل العالم، فكان من الواجب مضاعفة السّهر لكي لا يخترق الكنائس كذبٌ من أبي الكذّاب. يبقى السّهر بالرُّوْح القدُس مِن الواجبات الأساسيّة لكلّ راعي كنيسة مؤسّس في المسيح. تظلّ حياته السّابقة وتعليم الإنجيل من امتيازه. أعلن يسوع نيّته أن يحفظ مثل هؤلاء العبيد الذين حفظوا كنيسته من تأثير أرواح غريبة واهتمّوا في الوقت نفسه بإعلان إنجيله بين غير المسيحيّين ويجعلهم أعمدة أبديّة في هيكل إلهه.
تُدْعَى كنيسة يسوع المسيح في أنحاء العالم مرّات كثيرة هيكل الله الذي يسكن فيه ملء الرُّوْح القدُس (1 كُورنْثوْس 3: 16؛ 6: 19؛ كولوسي 2: 9- 10؛ 1 بطرس 2: 5- 7). يسوع المسيح هو حجر الزّاوية وأساس الهيكل (أفسس 2: 19- 22). من يريد أن يبني خارج هذا الأساس يبني على الرّمل. يكوّن الرّسل الطّابق الأرضيّ وأبواب الهيكل. وضع الرّجاء لراعي الكنيسة أنّه مدعوّ ليكون عنصراً حاملاً يحمل مع الآخرين أحمالاً ثقيلة في هيكل الله. يدعى الجنرال في لبنان "عميداً" أي عموداً في الدّولة.
وُعِدَ الخادم الذي عنده قوّة يسيرة ألاّ يخرج من هيكل الله فيما بعد. كان عليه أن يبقى دائماً لأنّه استقى قوّة الحمل من كلمة ربّه. يا له من امتياز أن يدعى وأن يمكث أبداً قرب الله وأن يحمل مع الآخرين رسالة في السّماء. لا تجلب الواجبات الأبديّة نوماً هنيئاً للمسيحيّين، بل مسؤوليّة مع الآخرين وخدمات وعمل البركة في قوّة يسوع المسيح.
تكلّم ربّ المجد للمرّة السّابعة بصيغة المتكلّم وقال إنَّه يريد أن ينحت بطريقة واضحة في هذه الأعمدة في هيكله الأبديّ ثلاثة أسماء تعلن من هو متبرّع لهذا العمود ومن تمجّد:
1 - اسم الله الذي سمّاه يسوع "إلهي" هو "أبونا الذي في السماوات". هو الآب الحقيقيّ لكلّ من يدعى ابناً في السّماء وعلى الأرض. هو أبو المجد، أبو الأنوار، أبو الأرواح، أبو الرّحمة، الأب العادل والأب القدّوس. يوجد أيضاً 346 اسماً آخر لله في الكتاب المقدّس. أمّا يسوع فعلمنا أن نصلّي إلى أبيه الذي في السماوات. يجب أن ينحت اسم الله الفريد هذا بصورة ظاهرة في هذا العمود لكي يظهر مَن هو الله ومَن الذي يحفظ بالأمانة اسمه الأبويّ.
2 - الاسم الثاني الذي ينبغي أن ينحت في العمود هو اسم أورشليم الجديدة النّازلة من عند الآب في السّماء. يمكن تشبيه مدينة المستقبل هذه بمكعب كبير ضخم طوله وعرضه وارتفاعه كلّ بمفرده 2220 كيلومتر. تشبه أورشليم الجديدة في السّماء الكعبة ولكنّها مملوءة نوراً ومجداً. ليس هذا المكعب الأبيض مكعب الحظ صغيراً أو أسود أو مقفولاً. ليس على المؤمنين أن يدوروا حوله على مسافة كما يحدث في مكّة، بل بالأحرى يدخل المسيحيّون المؤمنون إلى داخل المدينة. هم بأنفسهم المدينة المليئة حياة ونوراً وقوّة. أورشليم السّماوية مقدّسة وليست خليقة أرضيّة من حجارة أو مواد زائلة، بل مولودة من روح الله. قد تعني هذه المدينة ملء الرُّوْح القدُس مركّزة بوحدة المحبّة. المدينة السّماوية بحدّ ذاتها ليست مهمّة، ولكنّها تعني مركز الكون لأنّ الله وحَمَله يسكنان في داخلها.هل تتمتّع بحقّ الاستيطان في أورشليم السّماوية؟ هل اسم الآب والابن محفورٌ في حياتك ومنظور من مكان بعيد؟ هل اسم أورشليم السّماوية مكتوبٌ في قلبك؟
3 - يقول يسوع إنَّه سيكتب اسماً ثالثاً على عمود المستقبل في هيكل الله، أي اسمه الخاصّ. يريد يسوع عند مجيئه أن يعلن اسمه الجديد الذي لا نعرفه الآن. نقرأ حتّى الآن في العهد القديم والعهد الجديد حوالي 250 اسماً وصفة مختلفة ليسوع المسيح. فأيّهما أحبّ إليك؟ الرّب، المخلص، كلمة الله، الحَمَل، ابن الإنسان، أيّ اسم ليسوع أقرب إليك؟ سوف يكون اسمه في المستقبل أمجد وأكثر تواضعاً ممّا نقدر أن نتصوّره. الرّجل الذي سيكتب عليه هذا الاسم له مستقبل. هو ملفوف بأسماء الآب والابن والرُّوْح القدُس.

يوجد في طبقات الأصوات تردّدان عالٍ ومنخفض يفوقان كثيراً مقدرة الإنسان على السّمع، ويحتاج الإنسان لسماعهما إلى آلات إلكترونية خاصّة وشاشة لاستعادتهما. وعلى غرار ذلك يوجد في المجال الرّوحي إعلانات وكلمات إلهية لا يدركها العقل الطّبيعي المحدود، فيحتاج إمّا إلى آلة روحيّة للسّمع أو إلى أذن جديدة. ولكن في بعض المرّات يحدث انسداد في طبلة الأذن بسبب الصّمغ، ممّا يستوجب غسل الأذن. ويمكن أن يعني لنا هذا أنّنا إن كنّا لا نسمع كلمة الله جيّداً فنحن بحاجة إلى تطهير ضمائرنا والاعتراف بخطايانا حتّى لا يوجد ما يحول دون سماعنا كلمة الله.
عندما يكلّمك الله احفظ كلمته ولا تنسها بسرعة. املأ قلبك بكلمته فتنال نفسك قوّة كبيرة. لا تدع كلمته، بحالٍ من الأحوال، تدخل من أذن وتخرج من الأخرى. الله يتكلّم إليك فاسمع وآمن واشكر واحفظ وقل للآخرين ما كلّفك يسوع إياه.
حذار! فثمّة أصواتٌ أخرى غير صوت الله. امتحن كلّ صوت: هل هو مطابق للكتاب المقدّس، لكلمة الآب والابن والرُّوْح القدُس؟ لا تصدّق كلّ كلمة، ولا سيّما الكلمات التي تخرج من داخلك، فأنت لست مميّزاً ولست نبيّاً، ولكنّ الله يتكلّم إليك لأنّه يحبّك في يسوع المسيح. كلّ صوت لا يمجّد الآب والابن وليس من الرُّوْح القدُس هو غير صحيح.

الصَّلَاة
أيُّها المخلص القدير، نشكرك بحمد، لأنّك فتحت أعين مضادّيك المعتزين، حتَّى لاحظوا أنّك مع الراعي المتواضع. فقدتهم للتوبة النصوحة، وحفظت خادمك مِن ساعة التجربة في العالم كله. وأكّدت له أن تأتي إلى أرضنا عن قريب. ساعدنا حتَّى نعبدك أمناء، ونتمسّك بتاج البرّ الموهوب لنا مجّانا،ً ونثبت في حفظ الآب والابن والرُّوح القدس، الإله الواحد، ونترقب مجيئك اليقين.
السُّؤَال
ما هي أسباب النجاح لراعي الكنيسة في فيلادلفيا؟ ماذا تعني الوعود البارزة الموهوبة والمعطاة إلى راعي الكنيسة في فيلادلفيا؟