Skip to content

Commentaries
Arabic
رومية
  
1:13ثُمَّ لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الأَخُوَة أَنَّنِي مِرَاراً كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ، وَمُنِعْتُ حَتَّى الآنَ، لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ أَيْضًا كَمَا فِي سَائِرِ الأُمَمِ.14إِنِّي مَدْيُونٌ لِلْيُوْنَانِيّينَ وَالْبَرَابِرَةِ لِلْحُكَمَاءِ وَالْجُهَلاَءِ.15فَهَكَذَا مَا هُوَ لِي مُسْتَعَدٌّ لِتَبْشِيرِكُمْ أَنْتُمُ الَّذينَ فِي رُوْمِيَة أَيْضًا.


يفتح بُوْلُس – في هذه الرِّسَالَة – قلبَه لأهل كنيسة روما، ويُظهر لهم كم قصد مراراً أن يزورهم، بل وخطَّط لهذه الزِّيارة؛ ولكنَّ الله كان في كلَّ مرَّةٍ يعرقل خططه، فتعلَّم الرَّسُوْل العظيم مبكراً أنَّ أفكار الله ليست كأفكاره، وأنَّ طرق الله تعلو طرقه علوَّ السماء عن الأرض. لقد منعه روح المَسِيْح من تنفيذ مخطَّطاته، وإن بدَت له نافعة وصالحة ومقدَّسة. وحتَّى حين أضحت الفرصة سانحة للسَّفر منعه الله أيضاً مِن تحقيق أمنيته.
كانت فكرة تبشير العالم قد استحوذت على قلب بُوْلُس، فأراد أن يبني – في فترة حياته – ملكوت الله في روما وفي سائر الأمم. لم يُفكِّر في بُنيان النُّفوس في الأفراد فحسب، بل كان اهتمامه منصبّاً على الشُّعوب والأمم ككُلٍّ، لأنَّه كان واثقاً ببركة المَسِيْح العاملة معه، وهو قد عاين ربَّه المجيد، فكان متيقِّناً أنَّ العالم كلَّه لملك الملوك، وأنَّ انتصاره لا ريب فيه.
اعتبر رسول الأمم نفسه مديوناً لجميع النَّاس، ليس لأنَّه أخذ مالاً مِن أحد، بل لأنَّ اللهَ استودع فيه سلطانه وقُوَّته، فينبغي له بالتَّالي أن يهَبَهما لجميع المختارين فِيْ المَسِيْحِ. إنَّنا، في الواقع، نعيش جميعنا حتَّى اليوم مِن المواهب الَّتي وهبها الله لبُوْلُس، لأنَّه برسائله يُشركنا بقوَّته. وبهذا المعنى أصبحنا مديونين لكم، كما أنتم مديونون لجميع الَّذين حولكم. فالرُّوح العامل فينا ليس لنا، بل هو مستعدٌّ للحلول في قلوب الكثيرين.
عمل بُوْلُس في صفوف اليُوْنَانِيّين المثقَّفين، والرَّب ثبَّت خدمته في الضّعف. فأنشأ كنائس في حوض البحر المتوسِّط اليُوْنَانِيّ. وكان – في فترة كتابته هذه الرِّسَالَة – قد عزم على العمل بين البرابرة في فرنسا وإسبانيا وألمانيا. لقد أراد أن يُخبر النَّاس جميعاً أنَّ لله ابناً قد فدانا على الصَّلِيْب. فكان في فورة حماسه واندفاعه أشبه بصاروخ عابر للقارات مهيّأ للانطلاق في كلّ لحظةٍ إلى حيث تشاء مشيئة القدير. وهو في محبته للبرابرة تمنَّى أن يربح الرومان كي يرافقوه إليهم ويُشاركوه في تبشير الأمم. فشاء أن يُبشِّر المُؤْمِنِيْنَ في رُوْمِيَة كي يُصبحوا هم أيضاً مبشِّرين، لأنَّ الحصول على الخلاص يَخلق في المُخلَّص الرَّغبة في تخليص الآخَرِيْنَ أيضاً. فوضع بُوْلُس نصب عينيه كنيسة روما، ليخلق منها مركزاً ونقطة انطلاق لتبشير العالم كله .
واستجاب الله صلاة رسوله بطريقة أخرى. فلم يرسل سفيره إلى روما مباشرةً، بل أعاده أوَّلاً إلى أورشليم ليُقبَض عليه ويُسجَن. وهكذا، وبعد سنوات طويلة مؤلمة، وصل بُوْلُس العاصمة روما أخيراً مُقيَّداً، أسيراً، عبداً للمَسِيْح. ورغم ذلك كله لم تنطفئ قوَّة الله فيه، حتَّى وهو رازحٌ في قيوده، فبشَّر العالم كلَّه برسائله. ورسالته إِلَى أَهْلِ رُوْمِيَة لا تزال تبشِّر الأمم والشُّعوب حتَّى يومنا هذا.
وها نحن، أحفاد هؤلاء البرابرة الَّذين قصد بُوْلُس أن يبشِّرهم آنذاك، ننشر اليوم بفرحٍ إِنْجِيْل الله كما كان مودعاً في يدي بُوْلُس. ولعلَّ هذا الأخير لم يخطر بباله آنذاك أنَّ رسالته هذه إِلَى أَهْلِ رُوْمِيَة هي في الواقع تحقيقٌ لأمنيته بتبشير العالم كله. فما مِن سفرٍ إلى جانب إِنْجِيْل يوحنا قد قلب العالم وغيَّره كهذه الرِّسَالَة الَّتي كُتبَت بصلوات الروح وأنَّاته الكثيرة.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ، أنت الملك، وتهدي عبيدك حسب مشيئتك. اغْفِرْ لَنَا كل قصد أو تصميم لا ينسجم مع مشيئتك. أخضع نفوسنا كليّاً لإرشادك، فلا نحيد قيد أنملة عن خطة محبَّتك، بل نطيع أوامر روحك، ونُتمِّم أمانيك بفرحٍ حتَّى وإن كانت مخالفة لتصوُّراتنا. اللَّهمَّ طريقك قُدُّوْس، ونحن نستسلم لعنايتك، ونَشْكُرُكَ لأنَّك لا تسمح بأن نسقط مِن رحمتك.
السُّؤَال
كيف وكم مرّة عرقل الله مخطَّطات بُوْلُس؟