Skip to content

Commentaries
Arabic
رومية
  
1:24لِذَلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ،25الَّذينَ اسْتَبْدَلُوا حَقَّ اللهِ بِالْكَذِبِ وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ الَّذي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ آمِينَ.


تُرينا الآية 24 الدَّرَجة الأولى مِن إعلان غضب الله. فالدَّيَّان القُدُّوْس يترك جميع الَّذين يعرفونه ولا يُكرمونه، ليسقطوا في شهوات قلوبهم. لقد عموا روحيّاً بسبب عصيانهم، فلم يروا الله فيما بعد محوراً للكون، بل ابتدأوا يدورون حول أنفسهم، لأنَّ الأنانية تبتدئ في كلّ مَن لا يُحبّ الله. وهكذا ينعكس اتِّجاه الحَيَاة، فيصبح هدف المُلْحِدِيْنَ ليس الإله الخالق، بل أنفسهم ورفاهيتهم وشهواتهم وأماني قلوبهم.
وحيثما تَستعبد شهوةُ الإنسان إرادتَه، تتسلَّط الخطيئة لتُثبت أنَّها ليست مجرَّد نظريَّة، بل هي واقعٌ مُرٌّ، ليس في الفكر فحسب بل وفي الجسد أيضاً، لأنَّها تسيطر على الشُّعور الباطنيِّ. فمعظم الخطايا تحدث خارج جسد الإنسان بعد أن تُنجِّسه مِن الدَّاخل. فيثور الضَّمير على كلّ نوعٍ من النَّجاسة، علماً منه أنَّك بممارستها تُفسِد صورة الله فيك، لأنَّ جسدك قد خُلق ليكون هيكلاً للرُّوح القدس. إنَّ الله يريد أن يسكن فيك، فماذا تفعل؟ وأيّ روحٍ يسكنك؟ وما هي ثمار الرُّوح الحالّ في ذهنك.. أطَهارةٌ أم نجاسة؟ هل تَقْبَل أن تُهين نفسك المخلوقة على صورة الله؟
إنَّ النَّجاسة درجاتٌ. والإنسان بدون الله يسقط من النِّظام الطَّبِيْعِيّ في شرك الممارسات غير الطَّبِيْعِيّة، فيسمِّي الحرام حلالاً، لأنَّ تحريف حقِّ الله هو تمهيدٌ للخطيئة الَّتي يردعها وازعٌ أو ضمير. فالإنسان الشَّاذُّ لا يُبالي بنواميس الطَّبيعة، بل يُستعبَد لشهواته المنحرفة، فيخرِّب أُناساً آخرين، ويغويهم في سبُل النَّجاسة. وما أوسع بحر التَّجربة، وخراب النفس والجسد، واللَّعنات الصَّادرة مِن حياة ليس فيها روح الله! تَظهر الخطيئة في البداية لذيذةً شهيَّةً، ولكن بعد ممارستها يحسُّ الإنسان بالاشمئزاز منها، ومِمَّن أضلَّه، ويَخجل مِن نفسه، ويؤنِّبه ضميره على الإهانة الَّتي ألحقها بنفسه وبجسده. وفي الدَّيْنُوْنَةِ الأخيرةِ ستحمرُّ وجوه كثيرين خجلاً مِن كشف فواحشهم.
إنَّ لُبَّ الخطيئة ليس الشُّذوذ الجنسي، بل هو العبادة الخاطئة. فتحوُّل الإنسان عن الله يُخرِّب موقفه الدَّاخلي، لأنَّه حالما يبتعد عن ربِّه يصبح بدون قبلة. وكلُّ مَن يُدرك الله، يضطر إلى صنع أصنام لنفسه، لأنّه لا يستطيع أن يعيش بدون قبلة. ولكنَّ أصنام النَّاس كلّها باطلةٌ فانيةٌ مصنوعات أيدٍ بشريَّة. ليت الإنسان يستطيع أن يُميِّز بين الدُّنيا والأَبَدِيَّة، لأنَّه إن استطاع ذلك لما سمح لنفسه أن يكون عبداً للمال والأرواح والكتب والنَّاس.
واحدٌ هو المستحقُّ تقديرنا، وهو القادر على كلّ شيءٍ، الَّذي بدونه لا يحدث أيّ شيء، العليم الحكيم الرّؤوف بمخلوقاته. فلْيكُن حمده دائماً في أفواهنا. هو المتعالي عن كل خطيئة، الَّذي ليس فيه جورٌ أو ظلمٌ، الَّذي محبَّته تتجدَّد كُلَّ صباحٍ، وأمانته عظيمةٌ، لا يموت ولا يتغيَّر، ويحفظنا بصبره البالغ. ليت الناس جميعهم يعودون إلى خالقهم، فيجدون أساساً لحياتهم، ومقياساً لقيمتهم، وهدفاً لرجائهم.
ختم بُوْلُس عبارته عن الخالق المُبارَك إِلَى الأَبَدِ بالكلمة "آمين"، مُظهراً محاضرته كصلاة وشهادة. والكلمة "آمين" معناها هكذا يكون. أي إنَّ الَّذي هو مُبارَكٌ إِلَى الأَبَدِ هو صدقٌ ويقينٌ، وهكذا يكون. فليت الرَّبّ يجعل لاهوته القصدَ الرَّئيسي لأفكارنا ومخطَّطاتنا وأَعْمَالنا، فتصحّ حياتنا وأذهاننا، لأنَّ الحَيَاة بدون الله، في هذه الدُّنيا، جحيمٌ يَزُجُّ أهل النَّجاسة بأنفسهم فيه، بِوَاسِطَة تخريب أنفسهم بنجاساتهم القبيحة، نتيجة استسلامهم لشهوات قلوبهم، قبل انتقالهم إلى الجحيم الأبديّ.

الصَّلَاة
نَسْجُدُ لَكَ أيُّها الإله القُدُّوْس، لأنَّك الأزلي الطَّاهر العادل، وقد خلقتَنا على أحسن تقويم، وتحفظنا في لُطفك. نُحبُّك ونسألك أن تحصرنا في محبَّتك، فنحيا لك، ونكرمك في كل حين، ونَشْكُرُكَ بلا انقطاع. اغْفِرْ لَنَا كل بتعاد عنك، وطهِّرنا من نجاساتنا. حرِّرنا من الأصنام الَّتي صنعناها لأنفسنا، كي لا نَعبد ونُحبّ ونُكرم في هذه الدُّنيا سواك.
السُّؤَال
ما هي نتيجة عدم عبادة الله الحقَّةِ؟