Skip to content

Commentaries
Arabic
رومية
  
هـ: صلاةُ سُجودِ رَسُوْلِ الأُمَمِ
(رُوْمِيَة 11: 33- 36)
11:33يَا لَعُمْقِ غِنَى اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ. مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاِسْتِقْصَاءِ.34لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ، أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً.35أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ.36لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.


كان بُوْلُس مرتعباً مِن حالة اليَهُوْد الرُّوْحيّة، ومُمْتَلِئاً فِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ شُكراً وحَمداً لأجل المُؤْمِنِيْنَ الأوَّلين مِن اليَهُوْد في القدس، ومعظِّماً القُدُّوْس على عدد المُؤْمِنِيْنَ المتزايد مِن الشعوب. وانفجر الهمّ مِن قلب بُوْلُس بسبب فرط محبَّته، واعترف أيضاً بعدالة دينونته. وهكذا اعترف برحمة الله، ولم ينكر قصاصه. فأدرك محبَّة القدير، وآمن بطرقة غير المفهومة، وشهد أخيراً قائلاً: "الله أكبر مِن عقلنا وإدراكنا. نثق به، ونضع أفكارنا تحت إرادته وإعلانه (إِشَعْيَاء 40: 13؛ 45: 15؛ 55: 8- 9؛ رُوْمِيَة 11: 33).
طوبى للَّذي يسجد لربّه مُخْلِصاً ويحمده ويشكره، لأنَّه يدرك القُدُّوْس في محبَّته، فيقوده روحُ الحقّ إلى أعماق اللاهوت، وإلى تحقيق غنى روحه في مواهبه العمليَّة. بلغ بُوْلُس في الجزء الثَّانِي مِن رسالته هدفَ موضوعه، واعترف بتقسّي بَنِيْ يَعْقُوْبَ، وأدرك أنَّ سببه عدم إيمانهم ومعارضتهم لإرادة الله، ولم ينكر هذه الحَقِيْقَة.
وفِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ، شجّع المُؤْمِنِيْنَ مِنْ أَصْلٍ يَهُوْدِيٍّ، وبعض اللُّطفاء في روما بأنَّ الله سيَقبلهم برحمته مرَّة أخرى لأجل نعمته غير المحدودة. إنَّما الرَّبّ يستخدم المُؤْمِنِيْنَ الجدد مِنَ الأُمَمِ لِحَثِّ اليَهُوْد، مُظهراً لهم محبَّة هؤلاء وتواضعهم وطهارتهم وخدمتهم في الأناضول، ومُرشداً إيَّاهم إلى الخدمة الفعليّة بالتَّعاون والإخلاص.
بَيْدَ أَنَّ الحَقِيْقَة التاريخية تطوَّرت عكس ما تمنَّاهُ بُوْلُس. فكان بُوْلُس نفسُه الضَّحيَّة الأولى لحقد اليَهُوْد، وقُطِع رأسه في روما نتيجة دعواهم الكاذبة.
وقد لاحظ بُوْلُس هذا التقسّي تجاه نفسه وإِنْجِيْله، وردَّد الحَقِيْقَة الرُّوْحيّة لليَهُوْد، كما أعلنها إِشَعْيَاء النَّبي فكتب: "سَتَسْمَعُونَ سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُونَ وَسَتَنْظُرُونَ نَظَرًا وَلاَ تُبْصِرُونَ، لأَِنَّ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ قَدْ غَلُظَ وَبِآذَانِهِمْ سَمِعُوا ثَقِيلاً وَأَعْيُنُهُمْ أَغْمَضُوهَا لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِأَعْيُنِهِمْ وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ. فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَكُمْ أَنَّ خَلاَصَ اللهِ قَدْ أُرْسِلَ إِلَى الأُمَمِ وَهُمْ سَيَسْمَعُونَ. وَلَمَّا قَالَ هَذَا مَضَى الْيَهُودُ وَلَهُمْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ" (أَعْمَال الرُّسُل 28: 26- 29).
قبع بُوْلُس في سجون الرومان سنين عديدة بسبب حكم المحكمة اليَهُوْديَّة عليه (أَعْمَال الرُّسُل 23: 1 إلى 25: 10). واضطرَّ بُوْلُس نتيجة عنادهم وحقدهم أن يسافر إلى روما ليحكم القيصر شخصيَّاً عليه (أَعْمَال الرُّسُل 27: 1 إلى 28: 16)، فلَم يكن سجنه قاسياً، بل سمح الرومان له بأن يكرز بالإِنْجِيْل لكلّ الَّذين أرادوا أن يسمعوه.
وآمن عددٌ قليلٌ مِن اليَهُوْد في روما. أمَّا أَكْثَرِيَّة شيوخهم وأربابهم فلم يَقبلوا قوله، بل اعتبروا المَسِيْحيّةَ شيعةً يَهُوْدية (رُوْمِيَة 28: 22). وكان تأثيرهم على القضاة قوِيّاً، حتّى بَعد قَطعِ رأسه.
لقد حقَّق حقد اليَهُوْد على رَسُوْل الأُمَمِ هدفه. أمَّا رسائل بُوْلُس فانتشرت بدون عائق، وهي تجذب حتّى اليوم أعداداً لا تُحْصَى مِن اليهود والأمم إلى الإِيْمَان بالمَسِيْح. فيظهر أنَّ بُوْلُس الحيّ فِيْ المَسِيْحِ يسير مع المَسِيْح في موكب نصرته إلى نهاية العالم.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الآبُ السَّمَاوِيّ، نَسْجُدُ لَكَ مع الرَّسُوْل بُوْلُس، ونُعَظِّمُكَ لأَجْلِ محبَّتك وغضبك، ونحمدك لرحمتك ودينوناتك، ونتهلَّل بطرقك الحكيمة ونعمتك الأمينة. نَشْكُرُكَ بخاصّةٍ لأنَّك أحضرتنا فِيْ المَسِيْحِ لنكون أولادك الأحبَّاء.
السُّؤَال
ماذا تعني معرفة ملء النِّعْمَة وحكمة الله؟ كيف يثبت الله بارّاً إذا كان يُقسّي شعبه المُخْتَار، ولكنَّه يَقبل في النهاية البَقِيَّة المُقَدَّسّة، ويعتبرها مِن أبناء يَعْقُوْب الكاملين؟