Skip to content

Commentaries
Arabic
غلاطية
  
4:12أَتَضَرَّعُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَة كُونُوا كَمَا أَنَا لأَِنِّي أَنَا أَيْضًا كَمَا أَنْتُمْ. لَمْ تَظْلِمُونِي شَيْئًا.13وَلَكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ الْجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي الأَوَّلِ.14وَتَجْرِبَتِي الَّتي فِي جَسَدِي لَمْ تَزْدَرُوا بِهَا وَلاَ كَرِهْتُمُوهَا بَلْ كَمَلاَكٍ مِنَ اللهِ قَبِلْتُمُونِي كَالْمَسِيحِ يَسُوعَ.


حزن قلب بُوْلُس حين رأى أنَّ أتباع المسيح قد ارتدّوا مِن سموِّ النِّعْمَة إلى ضعف النَّاموس (شريعة موسى). ولكنَّ الرَّسُوْل آمن بأنَّ الرَّبّ لم يترك الَّذين بدأ خلاصه فيهم. فحاول أن يربحهم ثانيةً للمسيح. فلم يخاطبهم بكلماتٍ رنَّانةٍ، بل قدَّم شخصيَّته مثالاً لهم، وناداهم قائلاً: "كونوا مثلي، كما أنا". فهل في هذه الدَّعوة أنانيَّةٌ؟ كلاَّ، لأنَّ بُوْلُس مات عن نفسه، وكلّ ما عاشه عاش المسيح فيه. وهكذا أصبح بُوْلُس صورة للمسيح في لطفه وطهارته وقوَّته. وممَّا لا ريب فيه أنَّ سرَّ نجاح بُوْلُس كان في حياته المقدَّسة، لأنَّ ما يُخلِّص النَّاس ليس العبارات الفارغة، بل إنَّ الكلمة المتجسِّدة في الواعظ تعبِّر أكثر بكثير مِن الكلمات العاديَّة.
كيف ظهرت محبَّة الله في بُوْلُس؟ إنَّه لم يَبْقَ يهوديّاً متعجرفاً، بل انكسر في رؤية ربِّه، وتواضع، وأصبح مثل سائر النَّاس. لم يعتبر نفسه أفضل مِن الأمم، بل عاشر أهل غَلاَطِيَّة بدون رياء أو مصانعة، مقدِّماً لهم محبَّة الله ونعمته في المسيح. فأتى بُوْلُس كخادمٍ إلى النَّاس، واتَّضع جدّاً، مثلما نزل المسيح مِن السَّماء، وأصبح إنساناً مثلنا لنصبح مثله.
غفر بُوْلُس لأعضاء كنائسه كلَّ شكٍّ ونميمةٍ واضطرابٍ وارتدادٍ، قائلاً: "إنَّكم لم تظلموني بتصرُّفاتكم. فأنا قد متُّ في الصَّلب، وسامحتكم قبل أن تطلبوا السَّماح. لا يوجد مانعٌ بيني وبينكم. فأنتم مثل أولادي، وأنا أحبُّكم دائماً مهما فعلتم بي. إنَّ هذا لا يُقلِّل مِن شأن أخطائكم، بل يُبرهن أنَّ المحبَّة تغلب كلَّ شيءٍ".
بَعْدَئِذٍ ذكَّر بُوْلُس أحبَّاءه في غَلاَطِيَّة بأنَّهم، حين التقَوه للمرَّة الأولى، كانوا ملتهبين محبَّةً له، حتَّى إنَّهم لم يعثروا حين شاهدوا جروحه الظَّاهرة في وجهه وجسده مِن الاضطهادات والرَّجم.
كان بُوْلُس قصير القامة. وكان مظهره لا يوحي بالجبروت، بل بالضَّعف والضَّآلة. وربَّما كانت عيناه ملتهبتين مِن جرَّاء الغبار الَّذي صادفه خلال أسفاره العديدة المُضنية. فشكله الخارجيُّ لم يكن مؤثِّراً، ولكنَّ نار محبَّته وقوَّة الرُّوْح القُدُس كانتا تنطلقان منه وتستقرَّان في مستمعيه الَّذين اختبروا مِن كلامه وشخصه قدرة الرَّبّ، فتجدَّدت نفوسهم، واستقبلوا رسول الأمم كملاك، لا بل كالمسيح نفسه، وأكرموه كأنَّه إلهٌ. فسألهم بُوْلُس في رسالته: "هل كان هذا التَّطويب حماساً سطحيّاً؟ وهل تمَّ بي ما تمَّ قبلاً بالرَّبّ حين هتفت له الجماهير أوصنَّا، ومن ثمَّ اصلبه اصلبه؟ لقد كنتم مستعدِّين للتَّضحية بأنفسكم مِن أجلي، فكيف انقلبتم سريعاً حتَّى اعتبرتموني عدوَّكم الَّذي يمنع عنكم بركة الله؟"
لقد ناضل بُوْلُس بكلِّ قوَّة قلبه في سبيل الصِّحة الرُّوْحِيّة لأعضاء كنيسته. فهو لم يعتبر دينه فلسفةً ولا أبحاثاً، بل علَّم أنَّ الإيمان بالنِّعْمَة يعني خلاصاً، والتَّمسك بالنَّاموس (شريعة موسى) يورث الهلاك. فحاول أن يُنجِّي أحبَّاءه بكلِّ قوَّته وحنانه وصلاته. فكيف تناضل أنت في سبيل مَن أبلغت إليهم رسالة الخلاص؟

الصَّلَاة
أيُّها الآب القُدُّوْس، أنت الآب الحقُّ الَّذي بذلْتَ ابنكَ الوحيد لكي تُخلِّصَنا نحن الخطاة مِن الهلاك المبين. ساعدنا على أن نبذل كلَّ جهدنا لأجل خلاص الآخرين، ونتقدَّس في سيرتنا أوَّلاً، كي لا يعثر أصدقاؤنا بنتيجة تصرُّفاتنا، بل يروك فينا، ويُمجِّدوك في كلِّ حينٍ. آمين.
السُّؤَال
كيف استطاع بُوْلُس أن يقول: "كونوا كما أنا"؟