Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
5:7الَّذِي فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ8مَعَ كَوْنِهِ ابْنَاً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ9وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ10مَدْعُوًّا مِنَ اللهِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيْ صَادَقَ


لم يشأ يسوع الإنسان، رغم تعيينه منذ الأزل، أن يَقبل مجد رئيس الكهنة ومَسْؤُوْليَّته، بل انتفض مرتعباً مِن غضب الله الآتي، حتَّى إنَّه وهو ساجدٌ لم يُصلِّ بطريقةٍ منطقيَّةٍ عقليَّةٍ فقط، بل صرخ مِن أعماق قلبه وتألَّم ليتحرَّر مِن دينونة الله المُقبلة على البشر؛ فتصارع يسوع مع الموت، وامتلأ خوفاً مِن الوفاة، واكتأب لانفصاله عن أبيه على الصَّلِيْب. ولكنَّ الابن لم ييأس في ساعة التَّجربة، بل التفت مصلِّياً إلى أبيه، قائلاً: "يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ"، عالماً أنَّ أباه وحده قادرٌ أن يُخلِّصه مِن الموت والهلاك لأجلنا.
كانت هذه الصَّلاَة الصِّراعيَّة إتماماً للطُّقوس التي كان يُجريها رئيس الكهنة عند تقديم ذبيحته السَّنوية، ولكن على درجةٍ أعلى بكثيرٍ منها. واستمع الآب لصلاة ابنه، كما كان يسوع عالماً أنَّ أباه يستجيب له دائماً. ولكنَّنا نجد فرقاً كبيراً بين الاستماع والاستجابة. فالآب لم يستجب لطلب ابنه رغم استماعه إليه بكلِّ دقَّةٍ وقلبٍ حنونٍ، ولكنَّه قوَّاه على احتمال الضِّيق. فبِوَاسِطَةِ الصَّلاَة المستمرَّة اضمحلَّ الفزع مِن الابن، وتلاشى كلُّ حزنٍ واكتئابٍ.
وفي دقائق جهاد الصَّلاَة، تعلَّم جسد يسوع الطَّاعة. فكَاتِب هَذِهِ الرِّسَالَةِ أبصر أعماق نفس يسوع بإنارة الرُّوْح القُدُس جليّاً، فقال: "تَعَلَّمَ ابنُ الله الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ". فاحتمال الآلام في إرشاد الرُّوْح القُدُس هو مدرسة الطَّاعة. كان يَنْبَغِي للابن أن يَقبل مشيئة أبيه وإرشاده في وجه صوت جسده. أجَل قد فاق حمل خطيَّة العالم طاقة جسده البشري، فدفعه الرُّوْح القُدُس ضدَّ أمنية جسده ليُصبح رئيس كهنةٍ لجميع الشُّعوب؛ فتحقَّقَت ذبيحته الفريدة بِوَاسِطَةِ إنكاره ذاته وتضحيته بنفسه، وهكذا حمل صليبه، وخضع خضوعاً نهائيّاً لمشيئة الله.
وإطاعة يسوع حتَّى الصَّلِيْب أكملته في خدمته الكَهَنُوْتيَّة. فكان المسيح دائماً إلهاً كاملاً، وبتغلُّبه على شهوة حفظ ذاته، وقبوله أن يموت ذبيحاً أصبح مخلِّص العالم، الكاهن الحقّ، مُصالِح العالم مع الله. وهو نفسه صرخ على الصَّلِيْب بصوتٍ عظيمٍ قائلاً: "قد أُكمِل".
وبهاتين الكلمتين اللَّتين نطق بهما في لحظة الموت تمَّ خلاص العالم. قد أُكمِل، ليس الكاهن وذبيحته آنَذَاكَ فقط، بل مقتضيات دينونة الله أيضاً. فأصبحَت ذبيحة المسيح سبباً لفدائنا. فليس بأحد غيره الخلاص. وكلُّ دينٍ لا يخضع لهذا المبدأ يُبعِد أتباعه عن محور الخلاص، لأن ليس كاهنٌ آخر في السَّماء غير يسوع. وفي الصَّلِيْب وحده نجد الله الرَّحيم. فمَن يَقبل المصلوب المُقَام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ يَخلُص. مِن المؤسِف أن نجد بعض الطَّوائف تُعلِّم تبرير الإنسان بأعمالٍ صالحةٍ وتبرُّعاتٍ وحجَّاتٍ وأنظمةٍ للتَّوبة والصَّلاَة كالسُّجود والوضوء وتلاوة عباراتٍ معيَّنةٍ في مواعيد معيَّنة... إلخ. لا أبداً، فذبيحة يسوع الإلهيَّة هي وحدها القادرة أن تُخلِّص الناس، وإيمانك بالابن هو الذي يُحرِّرك حقّاً.
عندما وصل المسيح في صعوده إلى السَّماء قال الله له: "أنت كاهنٌ ملوكيٌّ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِيْ صَادَقَ". فلم يكن أيُّ ملاكٍ أو إنسانٍ أو روحٍ أو عظيمٍ آخَر قادراً أن يعمل ما عمله يسوع، لأنَّ يسوع وحده كان الإنسان الإلهيَّ القادر أن يُكفِّر عن خطايانا. فالمسيح هو الإنسان الحق والإله الحق، الكاهن الأمين والملك القويُّ القدير.

الصَّلَاة
نَسْجُدُ لَكَ يا حَمَل اللهِ القُدُّوْس، رئيس كهنة جميع البشر، يا مَن فدَيْتَ العالم بموتك، وأنكرتَ ذاتك لأجلنا. علِّمنا أن نُطيع روحك القُدُّوْس، فلا نهرب مِن الآلام المُرتَّبة في مشيئتك لنا، بل نحتملها مطيعين في حضورك اليقين.
السُّؤَال
كيف أصبح يسوع رئيس الكهنة العظيم؟