Skip to content

Commentaries
Arabic
عبرانيين
  
8- تغيُّر معنى دم العهد
(9: 15- 22)
9:15وَلأَِجْلِ هَذَا هُوَ وَسِيطُ عَهْدٍ جَدِيدٍ لِكَيْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّونَ إِذْ صَارَ مَوْتٌ لِفِدَاءِ التَّعَدِّيَاتِ الَّتِي فِي الْعَهْدِ الأَوَّلِ يَنَالُونَ وَعْدَ الْمِيرَاثِ الأَبَدِيِّ.16لأَِنَّهُ حَيْثُ تُوجَدُ وَصِيَّةٌ يَلْزَمُ بَيَانُ مَوْتِ الْمُوصِي.17لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ ثَابِتَةٌ عَلَى الْمَوْتَى إِذْ لاَ قُوَّةَ لَهَا الْبَتَّةَ مَا دَامَ الْمُوصِي حَيًّا.


العهد القديم مع الله أعجوبةٌ مقدَّسةٌ، رغم أنَّ موسى كان إنساناً وسيطاً مكرّساً ذلك العهد بدمٍ حيوانيٍّ لا يُغيِّر القلوب. والله لم يكسر العهد القديم لأنَّ أمانته لا تتزعزع، وخطايا الفريق الثَّاني لا تُلغي الميثاق.
والعهد الجديد أعظم وأمجد مِن العهد القديم، لأنَّ مَن قطعه هو الله وليس الإنسان. وهذا العهد مبنيٌّ ليس على دم الحيوانات، بل على دم ابن الله نفسه. وقد بدأ هذا العهد لحظةَ موت ابن الله، وهو لا ينتهي لأنَّ نعمة الله لا تُغلَب بخطايا المتعاهدين معه.
ولم يكن المسيح وسيط العهد الجديد فحَسْب، بل هو أيضاً محوره وقوَّته وضامنه. فبموت جسده مكَّن اتِّصال البشر بخالقهم. والرُّوْح القُدُس قدَّس النَّجسين ليثبتوا في شركة الله. فالمسيح يُشبه جسراً فوق هوَّةٍ عميقةٍ، وهذا الجسر يصل النَّاس بالله ليستطيعوا الرُّجوع إليه. ولا يقدر الإنسان أن يرجع إلى الله تلقائيّاً. فالمسيح هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. وَلَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِهِ. فبِوَاسِطَةِ قبولنا جسد المسيح ودمه وروحه ندخل إلى شركة الله.
هل تُدرك مِن هذه المعاني أنَّ العهد مع الله ليس اتِّفاقاً قانونيّاً منطقيّاً فقط، بل هو التحامٌ بيننا وبين ابن الله، حتَّى إنَّنا نصبح في شركته وحدةً إلهيَّةً؟ وكما الأمُّ تعجن في المطبخ الطِّحين والماء عجناً جيِّداً، هكذا يريد المسيح أن يسكن فينا ويعجن أجسادنا ويخلطها بروحه، فيُغيِّر أذهاننا ويملأ قلوبنا بمحبَّته كيلا يتسلَّط الموت علينا فيما بعد، بل يُطهِّر دمُه ضمائرنا مِن كلِّ شهوةٍ مميتةٍ. فهل أصبحتَ واحداً مع المسيح؟
اختار كَاتِب الرِّسَالَةِ إلى العِبْرَانِيِّيْنَ في هذه الفقرة كلمةً يونانيَّةً لمعنى العهد تعني فِيْ الوَقْتِ نَفْسِهِ "وصيَّة". فربط ثلاثة معانٍ معاً: الوصيَّة والموت والإرث، مثلاً جيِّداً لمعنى العهد الجديد.
لقد قطع المسيح عهداً معنا، وعيَّن لنا وصيَّةً ممتلئةً بوعودٍ وتأكيداتٍ وهباتٍ. وهذه الوصيَّة لم تتطلَّب مِن الوارث عملاً أو جهداً أو دفع مالٍ، بل قبولاً كيلا تبطل الوصيَّة. ويتمُّ قبول مواهب المسيح بإيماننا وتسليمنا إليه. فهذا الإيمان هو توقيعنا تحت وصيَّة العهد. تصوَّر! لقد منحك المسيح جميع الخيرات السَّماويَّة. فمتى تُمْضِي هذا الصَّكَّ المشتمل على الهبات والكنوز، وتدخل إلى العهد مع الله؟
لا يسري مفعول أيِّ وصيَّةٍ عادةً إلاَّ في لحظة موت الموصي. وبما أنَّ المسيح مات حقّاً، فقد صار العهد الجديد مع الله ساري المفعول. لقد مات يسوع لأجلنا طوعاً لكي يحقَّ لنا التَّمتُّع بإرثه.
فما هو الإرث الموعود؟ يشهد جميع الرُّسُل أنَّنا ورثة الله ووارثون مع المسيح (رُوْمِيَة 8: 17). فبالنِّعمة نشترك في قوى المسيح وصفاته وإمكانياته، لأنَّه اتَّحد بنا في روحه. فالمسيح هو بالحقيقة إرثنا. وهو يتمركز في قلوبنا بكلمته وروحه اللَّطيف. ولأجل حضوره فينا يُقدِّسنا ويحفظنا كي نرى الله جهراً. فهل أدركتَ معنى هذه الجملة ولم ترتجف بإدراكها؟ لقد أصبحنا، نحن الأثمة العصاة أعداء الله المستحقِّين الموت والهلاك، بموت المسيح مستحقِّين أن نرى القُدُّوْس وهو يُعلن ذاته أبانا الأزلي. المَلاَئِكَة كلُّهم يُغطُّون وجوههم مِن بهاء مجد الله، ولا يقدر أحدٌ أن يحتمل نوره السَّاطع إلاَّ الابن. أمَّا نحن فسنرى الله غير مضطربين، ونمكث عنده، لأنَّ الله محبَّةٌ، ومَن يَثبُت في المحبَّة يثبُت في الله والله فيه. فمعنى وراثتنا السَّماوية هو تغيُّرنا إلى صورة الله، حسب تخطيطه الأساسيِّ. فتصبح هيئتنا البشريَّة إلهيَّةً أزليَّةً. عِنْدَئِذٍ تُحقِّق شفاعة المسيح هدفها، لأنَّه رئيس الإيمان ومُكمِّله. ولكن كما أنَّ الله وابنه ليس أنانيّاً، هكذا لا يعيش المدعوُّون لإرثه أنانيِّين لأنفسهم، بل هم كهنةٌ ملوكيُّون خُدَّامٌ للضَّالِّين ومشتركون في سلطان المسيح وقوَّته وآلامه.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوْعُ المسيح، نَشْكُرُكَ لأنَّك قطعتَ العهد الجديد مع جميع المؤمنين بك، وأدخلتنا بموتك إلى شركةٍ صميمةٍ مع الله، وستجبلنا إلى صورته كي نشترك في مجدك ومحبَّتك وخدمتك. اغفر لنا جميع خطايانا، ودرِّب قلوبنا على روحك القُدُّوْس لكي نُمجِّدك وأبانا السَّماوي بسلوكنا وصبر محبَّتنا.
السُّؤَال
كيف ترتبط هذه المعاني الثَّلاثة معاً: وصيَّة المسيح، وموته، وإرثنا؟