Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
ثانياً: الأحداث الَّتي أعقبت العَشَاء الرَّبَّانِيّ
(يوحنَّا 13: 1- 38)

1- يَسُوع يغسل أرجل تلاميذه
(يوحنَّا 13: 1- 17)
الأَصْحَاْح الثَّالِث عشر: 1أَمَّا يَسُوع قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى.2فَحِينَ كَانَ الْعَشَاءُ وَقَدْ أَلْقَى الشَّيْطَان فِي قَلْبِ يَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ أَنْ يُسَلِّمَهُ.3يَسُوع وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ الآبَ قَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى يَدَيْهِ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَرَجَ وَإِلَى اللَّهِ يَمْضِي.4قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ وَخَلَعَ ثِيَابَهُ وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتَّزَرَ بِهَا.5ثُمَّ صَبَّ مَاءً فِي مِغْسَلٍ وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التَّلاَمِيْذ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الَّتي كَانَ مُتَّزِراً بِهَا.


ينتقل البشير يُوْحَنَّا ابتداءً مِن الأَصْحَاْح الثَّالِث عشر إلى مرحلةٍ وموضوعٍ جديدَين في إِنْجِيْله. وكان يَسُوع قبل ذلك قد دعا الشَّعب كلَّه. ولكن تحقَّق فيهم القول: "النُّور يُضيء في الظلمة والظلمة لم تُدركه".فهل فشل يَسُوع؟ لا. فالشَّعب عموماً لم يقبله. ولكنَّ الرَّبّ اختار بعض المستعدِّين التائبين، وجمعهم في حلقة التلمذة. وابتداءً مِن هذا الأَصْحَاْح نقرأ كيف كلَّم يَسُوع هؤلاء المختارين، كأنَّه عريسٌ يُكلِّم عروسه. فكانوا هم خاصَّته، كما أصبح هو خاصَّتَهم. وبالتَّالي أصبحت المَحَبَّة الإلهيَّة شعار هذه الأبحاث التَّالية. ولكنَّ هذه المَحَبَّة ليست عواطف أنانيةً نفسانيَّةً، بل هي دعوةٌ للخدمة. فالمَحَبَّة في الكِتَاب المُقَدَّس لا تعني حبَّ الذَّات، بل التَّضحية والتَّواضع وبذل الذَّات لأجل غير المستحقِّين. وفي هذه التَّوضيحات أعلن يَسُوع أمام تلاميذه أمجد صفاته، وفسَّر محبَّته في صورة خادم، رمزاً لحياته وموته وقيامته.
وعلَّم يَسُوع بدقَّةٍ أنَّ الفصح المُقبل آتٍ بموته. ولكنَّه أبصر أباه جليّاًَ مِن خلال شبح الموت. فكان المَسِيْح ذاهباً إلى أبيه. هل هذا الاتجاه شعار حياتك أيضاً؟ كان يَسُوع في العالم، ولكنَّ عينيه كانتا تنظران إلى الله على الدَّوام. منه نال القوة والهدى والسُّرور، ليحتمل الفاسدين والأردياء. وفي ارتباطه بالله أدرك أنَّ الشَّيْطَان بثَّ أفكاره في قلب أحد تلاميذه، لأنَّ هذا التِّلميذ انفتح له تدريجيّاً بواسطة حُبِّ المال والكبرياء والبغضة. ولكنَّ يَسُوع لم يبغض خائنه، بل احتمله في محبَّته الإلهيَّة إلى المنتهى.
لم يكن يَسُوع مستسلماً للخائن، وكأنَّ خيانته قضاءٌ وقدرٌ. فلم يكن يهوذا، ولا قَيَاْفَا، ولا هِيْرُوْدُس، ولا بيلاطس، ولا رؤساء اليهود ولا جمهورهم ليقرِّروا ما سيحدث. ولكن لأجل اتِّضاعه وخضوعه لمشيئة الآب، دفع الآب إليه جميع الأرواح والبشر. فقرَّر يَسُوع أن يموت كحَمَل الله، وعيَّن بنفسه جدول مواعيد الأحداث الَّتي لم يفقد وسط تأزُّمها واشتدادها رؤية مصدره وهدفه. فيَسُوع هو الرَّبّ الَّذي يُدير مجرى التاريخ.
لم يشأ يَسُوع أن يعود إلى أبيه منفرداً، بل قصد أن يجذب تلاميذه إلى شركة مسرَّة الله. فعلَّمهم متَّخذاً لهم أعظم رمزٍ للتَّواضع، ومُمثِّلاً أمامهم المَحَبَّة الإلهيَّة في صورةٍ عمليَّةٍ. صار خادماً، فأتى بالماء، وانحنى أمام تلاميذه، وجعل يغسل أقدامهم، ويُنشِّفها. جعل نفسه أصغر الجميع، حتَّى يتعلَّم أبسطهم أنَّ الله يخدم النَّاس. فالرَّبّ لا يتسلَّط بقلبٍ باردٍ ولامبالاةٍ، بل ينحني ليُطهِّرهم ويُغيِّرهم إلى صورة لطفه.
إنَّ يَسُوع هو مثلنا الأعلى، وقُدوتنا الجليلة. فمَتى ننحني أمامه ونسجد لمحبَّته؟ مَتى نُغيِّر أذهاننا ونحني ظهورنا المستقيمة الَّتي لم تتعوَّد الانحناء؟
أَخِي العَزِيْز، ما دُمتَ لا تنكسر، ولا تخدم إخوتك في الإنسانيَّة، ولا تُحبّ أعداءك، ولا تُضمِّد جراح المُصابين، فأنت لستَ مَسِيْحياً حَقِيْقِيّاً. هل أنت خادمٌ أم سيِّدٌ؟ تذكَّر أنَّ يَسُوع خادم البشريَّة كلِّها. وهو ينحني ليخدمك. فهل تقبل خدمته هذه، أم ترى نفسك في غرورك صالحاً ولستَ بحاجةٍ إلى خدمة الله؟