استحى التَّلاَمِيْذ مِن غسل معلِّمهم وربِّهم أرجُلَهم. ولو عَلِموا ما كان مُزمعاً أن يفعل بعد العَشَاء الرَّبَّانِيّ العَظِيْم، لكانوا قد غسلوا أرجلهم بأنفسهم قبل ذلك. ولكنَّ ربَّهم لم يقطع عهداً جديداً بينهم وبين الله فحسب، بل أراهم أيضاً مضمون ومعنى هذا العهد. فهو ليس إلاَّ محبَّة خادمة عاملة.
كان بُطْرُس أشدَّ التَّلاَمِيْذ فخراً وحماساً. فلم يُرد أن يخدمه يَسُوع،وانفجر مانعاً يَسُوع مِن غسل رجليه. فلم يفهم معنى ما عمله يَسُوع، ولا جواب الرَّبّ له على اعتراضه. ولم يُفكِّر بكلمة ربِّه له، بل أصرَّ على منعه مِن تطهيره. عندئذٍ فسَّر يَسُوع له ولجميع التَّلاَمِيْذ سِرَّ غسل الأرجل، وكأنَّه يُخاطبنا جميعاً قائلاً: "بدون تطهيرٍ لا نصيب لكم في المَلَكُوْت. وبدون غفران الخطايا لا تثبتون فيَّ أبداً. لأنَّ الاغتسال الدَّائم بدمي، والثَّبات في هذا التَّطهير المستمر هما اللذان يحفظانكم في النِّعمة، ويُديمانكم في الشَّركة مع ابن الله".
عندئذٍ استنار بُطْرُس، ونظر إلى يدَيه العاملتين شروراً، وفكَّر برأسه المتباطئ في فهم أفكار الله، واستحى، وطلب تطهيراً زائداً لكيانه كلِّه. أمَّا يَسُوع فقال له مبتسماً: "إنَّ مَن يُقبِل إليَّ، يُصبح طاهراً كاملاً لأجل إيمانه". وهكذا نعلم أنَّنا لا نحتاج إلى تطهير خاص، أو تقديس زائد، لأنَّ دم يَسُوع المَسِيْح يُطهِّرنا مِن كلِّ إثم. فما مِن قداسةٍ أعظم أو أكمل مِن غفران الخطايا بدم حَمَل الله. إنَّ غبار هذا العالم الفاسد وأوساخه لا بُدَّ أن تعلق بأقدامنا في ذهابنا وإيابنا، ولذلك ينبغي لنا أن نُصلي باستمرار: "اغفر لنا ذنوبنا". ولئن احتاج أولاد الله إلى غسل أقدامهم فقط يوميّاً ، فإنَّ أولاد العالم يحتاجون إلى غسلٍ كُلِّيٍّ لأبدانهم كُلِّها، وتطهيرٍ تامٍّ لها.
نظر يَسُوع إلى تلاميذه، وقال لهم: "أنتم طاهرون." لقد دعاهم إلى العهد مع الله. ومات حَمَل الله عن تلاميذه ليجعلهم مستحقِّين الثبات في الشركة مع الله. ليس إنسانٌ طاهراً مِن ذاته. ولكنَّ دم المَسِيْح يُطهِّرنا مِن كلِّ خَطِيئة.
للأسَف، لم يكن أتباع المَسِيْح كلُّهم قديسين، وهذا هو شأنهم اليوم أيضاً. فبعضهم يقبلون مبدئيّاً التطهير الأساسي، ويتصرَّفون كأنَّهم مؤمنون بدم المَسِيْح، ولكنَّ الرُّوْح القُدُس لا يملأ قلوبهم، بل روح الشَّيْطَان يوقِد فيهم البغضة والحسد والكبرياء والزِّنى. وهكذا تجد دائماً بين الأتقياء أناساً ملبوسين بأرواحٍ سفليَّةٍ، وحبٍّ للمال. إنَّ المَسِيْح يُريد بغسل رجليك يومياً أن يُحرِّرك مِن كلِّ خَطِيئة وشبه خَطِيئة، وأن يُطهِّرك إلى التَّمام كي تستحقَّ الشَّركة مع الله. فامتحن نفسك. هل أنت خادمٌ، أم سيِّدٌ؟