Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
خامساً: صَلاة يَسُوع الشَّفاعيَّة لتثبيتِنا في الثَّالُوْث الأَقْدَس
(يوحنّا 17: 1- 26)

1- التَّمهيد لِصَلاة المَسِيْح الشَّفاعيَّة

2- الصَّلاَة لأجل تمجيد الآب بواسطة تمجيد الابن في الصَّلِيْب
(يوحنّا 17: 1- 5)
17:1تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ.


خدَمَ يَسُوع النَّاس بإِنْجِيْله وأَعْمَاله، فشفى العرج، وأشبع الجياع، وفتح أعين العمي، وأقام أمواتاً. فكانت محبَّته إعلان جوهر مجد الله وسط عالم البغضاء والموت.
في بداية دعوته، تراكضت إليه الجموع الغفيرة. وعندما رأى المجلس اليهودي الأعلى والمتعصِّبون المراؤون أنَّ أُسس دينهم أخذَت تتزعزع، هدَّدوا يَسُوع وأتباعه بالحرمان والموت. فتخلَّى قسمٌ كبيرٌ مِن جمهوره عنه. وعندئذٍ أصبح المَسِيْح وأتباعه مضطهَدين. ولكنَّ المَسِيْح رغم ذلك استمرَّ في محبَّته لجميع النَّاس.
وأخيراً تأثَّر أحد التَّلاَمِيْذ الاثني عشر بدعاية المجلس اليهودي الأعلى، واستعدَّ لخيانة ربِّه. أمَّا الرَّبُّ فأعدَّ تلاميذه ليلة العشاء الأخير، ليلة قطع العهد لوظيفتهم الرَّسُولية المُقبلة، وأعلن لهم في كلماته الوداعية حقيقة اتِّحاده بالآب، وكيف أنَّ الرُّوح المُعزِّي سيُثبِّتهم في شركة المَحَبَّة الإلهية، رغم الاضطهادات المُقبلة عليهم.
ولكنَّ التَّلاَمِيْذ لم يفهموا كلام ربِّهم تماماً، لأنَّ روح الله لم يكن قد انسكب في نفوسهم بعد. فاتَّجه يَسُوع إلى أبيه مباشرةً، واستودع نفسه وأحبَّاءه في يديه بصلاته الكهنوتيَّة العَظِيْمة، وذكر أيضاً الَّذين سيؤمنون به بواسطة شهادة الرُّسُل في المستقبل.
فصلاة المَسِيْح الشفاعية، المدوَّنة في الأَصْحَاْح السَّابِع عشر، تمنحنا بصيرةً فريدةً في الطريقة الَّتي كان ابن الله يُحدِّث بها أباه، ونوعية المَحَبَّة الَّتي بين أقنومَي الثَّالُوْث الأَقْدَس. لا يستطيع إنسانٌ أن يفهم هذا الكلام الرُّوحِيّ أو يُفسِّره إن لم ينوِّره الرُّوْح القُدُس، ويضع فيه روح الصَّلاَة. فمَن يتعمَّق في الأَصْحَاْح السَّابِع عشر، يدخل هيكل الله الممتلئ سجوداً وابتهالاً وشفاعةً.

أعلن المَسِيْح لتلاميذه أنَّه واحدٌ مع الآب. فهو في الآب، والآب فيه. ومَن رآه فقد رأى الآب. ولكنَّ التَّلاَمِيْذ لم يستطيعوا استيعاب هذا الإعلان المدهش، فزاغت عيونهم عن إدراك حضور الله في جسد يَسُوع. ولذلك استودع الرَّبُّ تلاميذه الضعفاء الجهَّال في عناية أبيه، ليُنيرهم ويُثبِّتهم ويحفظهم في شركة محبَّته الإلهية القُدُّوْسة.
ولعلَّ رفْعَ يَسُوع عينَيه إلى السَّماء قد أدهش تلاميذه. إذ كيف يُصلِّي يَسُوع إلى الآب السَّماوي، وهو في الوقت نفسه يقول إنَّه كائنٌ في الآب والآب فيه؟ لقد صَدمَت عقولَهم هذه التَّصرفات الَّتي فاقَت حدود فهمهم. ولكنَّ الرُّوْح القُدُس لا يُفكِّر بطريقةٍ مفرَدةٍ محدودةٍ، بل بطريقةٍ عُليا جامعةٍ طَرَفَي النَّقيض في انسجام حَقِيْقِيّ. وهكذا نعرف أنَّ الفكرتين على صواب: الاتِّحاد التَّام بين الآب والابن، واستقلال شخصَيهما. وهذا ما يُوضحه رفع الابن عينيه إلى الآب وطلبه إليه أن يستجيب صلاته. فالله أعظم مِن عقولنا المحدودة. والرُّوْح القُدُس يُعلِّمنا أن ندرك الفكرتين المتناقضتين كوحدةٍ حقَّة. فاطلب إلى ربِّك الاستنارة، إذا كان صعباً عليك إدراك الحقيقة الإلهية، لأنَّه لا يستطيع أحدٌ أن يُدرك الآب والابن، إلاَّ بواسطة الرُّوْح القُدُس.
خاطب يَسُوع الله في صلاته بالآب، لأنَّ الله ليس فقط ربّاً قُدُّوْساً، وديَّاناً صارماً، بل تشمل محبَّته جميع صفاته الأخرى، وتتغلغل فيها. فالله هو في ذاته المَحَبَّة القُدُّوْسة، والحقّ الرَّحيم الَّذي لا يبيدنا، بل يُخلِّصنا. وقد ظهرت هذه الفكرة الجديدة أنَّ الله أبٌ مُحبٌّ عندما وُلد المَسِيْح مِن الرُّوْح القُدُس ابناً لله. فعاش منذ الأزل عند أبيه، ولكنَّه تجسَّد ليفدينا أولاداً للقُدُّوْس. فإعلان اسم الآب لله هو جوهر الرِّسَالَة الَّتي قدَّمها المَسِيْح للعالمين. وبهذا الإعلان حرَّرنا يَسُوع مِن خوف الدَّيْنُونَة، لأنَّ الدَّيان هو أبونا، والضَّامن أخونا الَّذي دفع ديوننا. فإن عرفتَ اسم الآب في إعلانات يَسُوع العديدة، وعشت وفق هذه المعرفة، فقد أدركتَ رسالة الإِنْجِيْل.
اعترف المَسِيْح أمام أبيه بأنَّ أهمَّ ساعةٍ في العالم قد أزفَّت، وهي ساعة المصالحة بين الله والنَّاس. فقد انتظر جميع البشر والملائكة والأديان والفلاسفة، بدون علمٍ، هذه الساعة. وها قد حانَت. فقد رفع المَسِيْح، كحَمَل الله، ذنوب العالم كلَّها، وكان على استعدادٍ للموت وحيداً في لهيب غضب الله. في هذه اللحظات الحاسمة، كان الخائن مُقبلاً على الطريق مع فرقةٍ مِن شرطة الهيكل، للقبض على ابن الله الوديع القوي الَّذي كان مستعدّاً للموت بدون حمايةٍ مِن أحد.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ المَسِيْح، نشكرك لأنَّك كنتَ مصلِّياً أَمِيْناً ممتلئاً بالمَحَبَّة. ساعدنا على أن نفهم صلواتك، ونمتلئ بروح الصَّلاَة، كيلا نُفكِّر في أفكارك فقط، بل نتحوَّل إلى ساجدين وشاكرين ومُصلِّين أيضاً.