Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
17:22وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذي أَعْطَيْتَنِي لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ.23أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي.


ما هو مجد يَسُوع؟ هل هو بهاؤه، أو نور جلاله؟ كلاَّ، بل إنَّ مجده كامنٌ في تواضعه ووداعته ومحبَّته وطهارته ورحمته وصبره ولطفه. فكلُّ فضيلة مِن فضائل الرُّوْح القُدُس هذه هي شعاعٌ في نور مجده. لذلك حين قال البشير يوحنّا: "ورأينا مجده" لم يكن يُشير فقط إلى حادثة التَّجلّي، أو قيامة المَسِيْح المجيدة، بل أيضاً إلى مذوده الوضيع، وصليبه المرير. ففي هذا الاتِّضاع ظهر مجد محبَّة الله بكلِّ بيانٍ، إذ أخلى الابن مجده الظَّاهر، وتمثَّل أمامنا لب جلاله في هيئة إنسانٍ.
وقد منحنا المَسِيْح هذا المجد الجوهري، فحلَّ روح الآب والابن فينا. وسيظهر هذا الروح، عند مجيء المَسِيْح، كمجدٍ بهيٍّ، لأنَّ هذا المشهد لا يمتُّ إلاَّ لنار المَحَبَّة الَّتي في قلب المؤمن الحَقِيْقِيّ. هل نظرتَ يوماً إلى شعلةٍ ملتهبةٍ؟ يمكنك أن ترى هذه الشُّعلة بالعين المجرَّدة مِن خلال أشعَّتها. أمَّا حقيقة هذه النار الناجمة عن احتراق كيميائي، فهي عمليَّةٌ تتفاعل في الدَّاخل، ولا يمكن رؤيتها بالعين المجرَّدة، بل بعقولنا وأذهاننا. وهكذا المَحَبَّة في الثَّالُوْث الأَقْدَس هي السبب الكامن وراء ضياء مجده. فالمَحَبَّة الكامنة في الثَّالُوْث الأَقْدَس هي نور مجده وبهاء جلاله. وقد منحنا المَسِيْح المَحَبَّة الَّتي هي رباط الكمال.
وغاية هذا الامتياز المُعطى لنا ليست الأُبَّهة وإظهار الذَّات، بل أن نخضع في الوحدة للخدمة، ونجتمع لخدمات مشتركة، ونقصد الآخَرين. وبهذه المبادئ الرُّوحِيّة طلب يَسُوع إلى أبيه أن يسبغ علينا الوحدة والشِّركة نفسيهما اللَّتَين تسودان وحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس. فمحبَّة الله هي مقياس الكنيسة وهدفها. وهو بنفسه يجبلنا إلى صورته الأزليَّة.
ليس إلهنا صنماً جامداً متصلِّباً، بل هو وحدةٌ مثلَّثةٌ، وثالوثٌ موحَّدٌ. فالآب في الابن، والابن في الآب. ولم يرضَ المَسِيْح أن يحلَّ فينا منفرداً، بل يزورنا في الشَّركة مع أبيه، ويَثبُت في المؤمنين إلى الأبَد. والله يسكن حقّاً في كنيسته الَّتي سمَّاها بولس "ملء الله" (أفسس 1: 23؛ كولوسي 2: 9). أوَلا تملك الجرأة على نطق الكلمات الَّتي أوردها بولس في الجُزْء الأخير مِن المقطع نفسه، والَّتي يقول فيها: "فِي المَسِيْح يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوْت جَسَدِيًّا. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ" (كولوسي 2: 9- 10)؟ إنَّ هذه الشَّهادة الرَّسُولية هي البرهان على أنَّ صلوات يَسُوع قبل موته كانت مستجابةً. فنسجد للرب ونشكره، لأنَّه لا يزدرينا نحن المساكين المُذنبين، بل قد طهَّرَنا وقدَّسنا واتَّحد بنا، كي نحيا حياته الإلهية.
كان يَسُوع مؤمناً مسبقاً بإكمالنا في المَحَبَّة والتواضع، كي نحبّ ونحترم بعضنا بعضاً، ونُفضِّل احتمال الظُّلم على ارتكابه. لم يطلب يَسُوع منا الكمال في الغنى أو القوة أو الحكمة أو المجد، بل في الرحمة والمَحَبَّة واللطف. فكان الحنان والرثاء والتسامح هدفه الأوَّل حين قال: "كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ". كان هذا الأمر خلاصة تفسيره لمحبَّة الأعداء. ولكنَّه في صلاته الشَّفاعية قصد درجةً عليا في الكمال، هي الوحدة الرُّوحِيّة في الكنيسة مِن جهةٍ، وبين الكنيسة والله مِن جهةٍ أخرى. فلم يُرشدنا الرُّوْح القُدُس إلى الانطوائيَّة والانعزاليَّة، بل إلى شركة القدِّيسين؛ لأنَّ الوحدة الثالوثية المقدّسة هي قدوتنا. ونحن لا نُمثّل صورة الله في العالم، إلاَّ إذا كنَّا واحداً. ولئن كان الفرد في العهد القديم حاملاً صورة الله بمفرده، فأولى بكنيسة العهد الجديد أن تُظهر بكلِّ أعضائها معاً صورة وحدة الثَّالُوْث الأَقْدَس.
إنَّ انسجامنا ضمن الكنيسة يجعل الدُّنيويين يُدركون أنَّنا مِن الله. فيعرفون عندئذٍ أنَّ الله محبَّةٌ. فالإيمان لا يُوجده الكلام ولا التفاسير الطويلة، بل التَّضحية المستمرة، والشركة الباذلة في المَحَبَّة. إنَّ الفرح في اجتماع أولاد الله يتكلَّم بصوتٍ أعلى وأبلغ مِن العظات الطويلة. فمحبَّتنا هي مرآة محبة المَسِيْح. وهكذا وحَّد الرُّوْح القُدُس الكنيسة الأصليَّة في أورشليم في وحدةٍ روحيَّةٍ أصيلةٍ، فكانت الثَّمرة الحَقِيْقِيّة لصلاة يَسُوع الشفاعية.

الصَّلَاة
أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوع، نشكرك لأنَّك أرشدتَنا، نحن غير المستحقِّين، إلى الإيمان بك، وجعلتَنا بشهادة محبَّتك عبيداً لك وإماء. ونسجد لك لأنَّك طهَّرتَنا، وأهَّلتَنا لنصير أعضاء في جسدك الرُّوحِيّ، وثبَّتَّنا في محبَّة الثَّالُوْث الأَقْدَس. نُعظِّمك ونُسبِّحك ونلتمس منك القوَّة لنعيش في كنائسنا في وحدةٍ عمليَّةٍ حيَّةٍ. علَّمنا أن نتواضع بدون رياء، فلا نُدافع عن كرامتنا المتخيَّلة، بل نسعى معاً يداً واحدةً وقلباً واحداً في وحدةٍ متماسكةٍ قويَّةٍ ملؤها الفرح والسَّلام.
السُّؤَال
ما الَّذي طلبه يَسُوع مِن أبيه لأجلنا؟