Skip to content

Commentaries
Arabic
يوحنا
  
ثالثاً: السَّفرة الأخيرة إلى أورشليم وموضوعها: انفصالُ الظُّلمةِ عن النُّور
(يوحنَّا 7: 1- 11: 54)

1- كلماتُ يَسُوع في عيد المظالِّ
(يوحنَّا 7: 1- 8: 59)

أ: يَسُوع وإخوتُه
(يوحنَّا 7: 1- 13)
الأَصْحَاْح السَّابِع: 1وَكَانَ يَسُوع يَتَرَدَّدُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَلِيلِ. لأَِنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَرَدَّدَ فِي الْيَهُودِيَّةِ لأَِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ2وَكَانَ عِيدُ الْيَهُودِ عِيدُ الْمَظَالِّ قَرِيباً.3فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ انْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ لِكَيْ يَرَى تَلاَمِيذُكَ أَيْضاً أَعْمَالكَ الَّتي تَعْمَلُ.4لأَِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْمَلُ شَيْئاً فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلاَنِيَةً. إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ هَذِهِ الأَشْيَاءَ فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَمِ.5لأَِنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضاً لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ.


صُعِقَت الجماهير بشهادة يَسُوع عن مجده، وأُُصيب السَّامعون بالذُّهول، فانفصل بعض أصدقائه عن الشَّركة معه في أورشليم، بينما تركه العديد مِن أتباعه في الجليل. فالمتزمِّتون في العاصمة لم يؤمنوا بأنَّ يَسُوع الشَّاب هو مُقيم الموتى، وديَّان العالم، بينما الأتقياء في الجليل اشمأزّوا مِن فكرة أكل جسده وشُرب دمه، لأنَّهم لم يفهموا رمز العَشَاء الرَّبَّانِيّ.
فقرَّر بعض أعضاء المجلس الأعلى في أورشليم أن يقتلوا يَسُوع النَّاصِرِيّ، وأرسلوا أوامر للقبض عليه، وهدَّدوا كلَّ مَن يؤمن به أو يتبعه بالطَّرد مِن الكنيس والمجتمع، والحرمان مِن بركة الله. وأخذ جواسيس المجلس الأعلى لليهود يجولون في أنحاء الجليل بحثاً عن يَسُوع. فلا عجب إن ارتدَّت الجماهير عنه، لأنَّه كان عليها الاختيار بين الاضطهاد والخلاص بيَسُوع. فاختار كثيرون الدُّنيا على الآخرة، مُفضِّلين سلامتهم الشَّخصية على عطيَّة الله العُظمى.
وخاف إخوة يَسُوع وأمُّه أيضاً مِن أن يُطرَدوا مِن مجتمع أُمَّتهم. ورُبَّما قالوا عن يَسُوع إنَّه يهذي كي يُنقذوه، أو لعلَّهم انفصلوا عنه جهراً، متبرِّئين منه، كيلا يسقطوا تحت حرم الكنيس اليهودي (مَرْقُس 6: 3؛ مَتَّى 12: 46- 50؛ 13: 55). وأخيراً طلبوا إلى يَسُوع أن يُغادر منطقة الجليل كي يرتاحوا منه ويُلقوا عن كاهلهم كلَّ مسؤوليَّةٍ عنه.
ورُبَّما شاءوا أيضاً إجباره بمكرٍ على إعلان مجده في أورشليم، فإمَّا أن يظفر، أو أن يُهزَم أمام المجلس الأعلى؛ فتنتهي بذلك عثرة الشَّعب كلِّه. إنَّ هؤلاء بعد أن عاشوا معه مدَّة سنواتٍ، لم يؤمنوا بألوهيَّته، حاسبين محبَّته ولطفه أموراً اعتياديَّةً. وهذه هي المأساة الكبرى: أنَّ كثيرين مِن المؤمنين يوقِّرون يَسُوع ويُجلُّونه لأجل محبَّته، دون أن يُدركوا حقيقته.
عرف إخوة يَسُوع عجائبه العَظِيْمة. ولكنَّهم رغم معرفتهم تلك لم يؤمنوا بأنَّه هو المَسِيْح المُنتَظَر الَّذي تنحني له كلُّ ركبةٍ، ويخضع له العالم كلُّه. واستاءوا مِن تقهقر حركته، وانفصال الجماهير عنه. فجرَّبوا يَسُوع مثلما كان الشَّيْطَان قد جرَّبه في البرِّية، عندما اقترح عليه أن يُظهِر مجده في الهيكل أمام أعيُن السَّاجدين، لِيربحهم بطريقةٍ مسرحيَّةٍ. ولكنَّ يَسُوع لم يُحبّ العظمة، فرفض التَّباهي، واختار التواضع، ولبس جسد الضَّعف البشري، لأنَّه لم يشأ أن يربح المستكبرين بواسطة طُرُقِهم.