Skip to content

Commentaries
Arabic
لوقا
  
2:25وَكَان رَجُلٌ فِي أُورُشَلِيمَ اسْمُهُ سِمْعَان، كَان بَارّاً تَقِيّاً يَنْتَظِرُ تَعْزِيَةَ إِسْرَائِيلَ، وَالرّوح الْقُدُسُ كَان عَلَيْهِ.26وَكَان قَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالرّوح الْقُدُسِ أَنَّهُ لاَ يَرَى الْمَوْتَ قَبْلَ أَنْ يَرَى مَسِيحَ الربّ.27فَأَتَى بِالرّوح إِلَى الْهَيْكلّ. وَعِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ، لِيَصْنَعَا لَهُ حَسَبَ عَادَةِ النَّامُوسِ (الشريعة)،28أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللَّهَ وَقَالَ،29الآن تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ،30لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ،31الّذي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ.32نُورَ إِعْلان لِلأُمَمِ، وَمَجْداً لِشَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ.33وَكَان يُوسُفُ وَأُمُّهُ يَتَعَجَّبَان ممّا قِيلَ فِيهِ.34وَبَارَكَهُمَا سِمْعَان، وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ، هَا إِنَّ هَذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ.35وَأَنْتِ أَيْضاً يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ.


الرّوح القدس يعدّ أنبياءه، كما يشاء. وقد كان في أورشليم شيخ اسمه سمعان، واظب على الصلوات في الهيكل وتبرّر بواسطة إيمانه بالذبائح اليوميّة، وسلك بتواضع في طرق الربّ. وبصلواته الكثيرة فتح الربّ له عينيه لأعماق التوراة. فأدرك مسبقاً جوهر المسيح، واشتاق إلى الآتي. لأنّ كلّ الّذين يتعمّقون في المسيح المخلّص يشتاقون إلى وصوله.
وقد حصل الشيخ القدّيس على إعلان خاصّ مِن الله. أنّه يعاين المسيح قبل موته. فقاده الرّوح الإلهي إلى الهيكل، لمّا دخل يوسف ومريم مع الطفل لتقديمه للربّ. وما كان لباسهم فاخراً، وما ظهر الطفل كبطل. ولكنْ لمّا اقترب سمعان مِن العائلة المقدّسة هزّه الرّوح القدس هزّة كصدمة كهربائية وأنار عينيه حتّى شاهد بين ازدحام النّاس الفريد، الّذي كان إلهاً وإنساناً في الوقت نفسه. فتقدّم الشيخ مؤمناً وفرحاً بسلطان الله إلى عائلة يسوع، وأخذ الطفل مِن بين ذراعي أمه المتعجبة وانحنى له خاضعاً، وسبّح الله تسبيحاً محتوياً على أعماق التوراة. ومجازاً نقول أنّه في شخص سمعان الشيخ انحنى كلّ آباء الإيمان ساجدين للطفل الإلهي مسبّحين الله تسبيحاً كثيراً. وفي هذا رمز كبير أنّ العهد القديم كلّه يخضع لمؤسس العهد الجديد.
وكلمة "الآن" عنت لكلّ المنتظرين وصول الله ونهاية الانتظار المرتقب. فالله قد اتصل بالبشر، وهذا بيان للشيخ أنه قد وصل إلى هدف حياته. فكان مستعداً ليموت فرحاً، لأنّ عينيه تكحّلتا برؤية المخلّص. ولم يسمّه مخلّصاً بل رأى مباشرة الخلاص الكامل جارياً فيه. فأبصر كلّ القوى والبركات النابعة منه، واعترف بسلام الله على كلّ الخليقة. فلم يطلب سمعان سلام نفسه الخاصّة فقط، بل اشتاق إلى خلاص العالم كلّه فكان تقيّاً حقّاً شاملاً في محبّة الله كلّ الضّالين.
وهذا الشيخ سمعان كان أوّل يهودي حسب إثباتات العهد الجديد أدرك بواسطة تعمّقه في العهد القديم أكثر مِن كلّ الكتبة والفريسيين أنّ المسيح ليس مخلّصاً لشعبه الخاصّ فقط بل لكلّ الأمم أيضاً (إشعياء 52: 10) والمفسرون اليهود صمتوا عن شرح هذه الآية وبيان معناها كما أنّهم أهملوا الحقّ ان يسوع سيفتح أعين وقلوب كلّ الأمم ليشفيهم بخلاصه. فأعلن الرّوح القدس بكلمة سيف الله الرّوحي ذي الحدّين، أنّ المسيح هو مخلّص العالم تعزية لنا وحقّاً وقوّة أزليّة.
ولكنّ الرّوح المنعم، لم يرفض أهل العهد القديم بل شهد لهم أنّهم بلا قيمة، إلاّ في المسيح لأنّ كلّ النّاس خطأة ولكنّ المخلّص يستطيع أن يرجع مجد الله في الضّالين. لأنّ الابن هو مجد الله المتجسّد. فاليهود بدون المسيح خالون مِن مجد الله وبركاته، وساقطون في الدينونة والغضب.
ولم يفهم والدا يسوع هذه الكلمات القويّة، فتعجبا جداً. أمّا مريم فقد تمرّنت في حفظ نبوّات الرّوح القدس وهي مستعدّة لقبول المرارة بجانب علو إرسال المخلّص. فالنبّي سمعان، بارك الكبيرين، لكي يدركا إعلانات الرّوح القدس ويحملاها وأكمل ببصيرته قائلاً: لا تظنّوا أنّ مسيح الله يأتي بمحبّة لينة طروبة مفرحة. لأنّ مجيئه يعني حرباً روحيّة وانفصالاً جذرياً وبغضة ومصارعة بين السماوات وجهنّم. فالمسيح يشبه صخرة في نهر الشعوب العريض تقسمه إلى فريقين: الأول يرفض ابن الله ويسقط إلى الهلاك والسّعير. والثاني يرى الفادي ويخلّص به ويقوم من الموت روحيّاً الآن وجسدياً بعدئذٍ. وهذا المبدأ تحقّق زمن المسيح في شعبه إلى يومنا هذا بين الأمم جمعاء. فليس أحد يستطيع إهمال المسيح. فإِمّا يرفضه ساقطاً إلى جهنّم أو يحبه فيصبح عضواً في جسده الرّوحي ويدخل السماء. فما هو موقفك نحو المسيح. هل تخضع له أو تعصى محبّته؟
وكان على مريم احتمال أمواج البغضاء المسكوبة على ابنها. لم تمت بسيف يقطع جسدها. ولكن آلام ابنها على الصليب، كسّرت رجاءها الأخير وإيمانها بذاتها. فسألت نفسها هل كانت نبوّات الملائكة وكلمات أليصابات وقول الرعاة وبصيرة سمعان خاطئة؟ أو ما هو معنى ألوهية ابني؟ ولكنّ المقام مِن بين الأموات أعلن لها، أنّه كان ينبغي أن يتألّم فدية لأجلنا، وأنّ كلّ المؤمنين صلبوا معه لكيلا يفخروا بشرفهم الذاتي بل يعيشوا مِن فيضان خلاص المخلّص ففي الصليب تم الموت الرّوحي لمريم وتجديدها في قيامة المنتصر. وآمنت بالحقيقة ولكنّ الصليب لا يعني كشف الأفكار المخيفة في مريم فقط بل فينا جميعاً. فانكشف يهوذا وبطرس وقيافا وبيلاطس والشعب كلّه أثناء محاكمة يسوع. فأمام قداسته تظهر قلوبنا جليّة. فلا نقدر إلاّ على الاعتراف أن القلب أخدع من كلّ شيء وهو نجس لمَن يعرفه.