Skip to content

Commentaries
Arabic
رؤيا يوحنا
  
2- صورةٌ مقرَّبةٌ لبابل الزَّانية
(رؤيا 17: 3- 6)
17:3فَمَضَى بِي بِالرّوح إِلَى بَرِّيَّةٍ, فَرَأَيْتُ امْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ, لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ.4وَالْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ, وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ, وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا,5وَعَلَى جِبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ وهو سِرٌّ:.بَابِلُ الْعَظِيمَةُ أُمُّ الزَّوَانِي وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ.6وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّباً عَظِيماً.

نُقل يوحنَّا بعيداً بالرّوح مِن قبَل ملاك الدَّينونة البهي. فتح الملاك له عيني قلبه ليُدرك أحداثاً معيَّنةً في رؤىً جديدةٍ. ليس المقصود بالأوصاف والرُّؤى أن تمثِّل أشخاصاً أو مؤسَّساتٍ أو دولاً معيَّنة، إنَّما هي في شكلٍ رمزيٍّ والمقصود بها قبل كلِّ شيءٍ أن تُفهَم بطريقةٍ غير مباشرةٍ. إنَّها توجِّهنا إلى الماضي والحاضر إضافةً إلى التَّطوُّرات المُقبلة. وهي تحثُّنا على اليقظة الرّوحية. وحتَّى يمكننا أن نُفسِّر رؤيا ما مِن الضَّروري أوَّلاً أن نُصلِّي طالبين الحكمة الإلهيَّة والتَّواضع والحذر (متَّى 7: 1- 5).
قاد ملاكُ الدَّينونة الشَّيْخ الجَلِيْل إلى برِّيَّةٍ تشبه الموضع الذي هربت إليه المرأة التي ولدت ولداً فريداً وَاخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى اللَّهِ (رؤيا 12: 6، 14؛ 17: 3). كان يوحنَّا جسديَّاً لا يزال على جَزِيْرَة بَطْمُس في بحر إيجة. أمَّا روحه فقد نُقلَت إلى قفرٍ لا ماء فيه. البرِّية في العهد القديم هي مكان قصاصٍ ودينونةٍ (لاويِّين 16: 10؛ إِشَعْيَاء 21: 1). وقد توسَّع مفهوم "البرِّية" هذا فيما بعد فشمل جميع الأراضي التي كان الأمم النَّجسون والخارجون على القانون هم الأكثريَّة فيها. فمن الأرجح أنَّ البرِّية التي وجد النَّبي نفسه فيها لم تكن في الأراضي المقدسة، بل في بلدٍ "أجنبي" بحسب المفهوم اليهودي.

في هذه المنطقة غير المأهولة رأى يوحنَّا وحشاً قرمزيّاً واقفاً وقد جلست
عليه امرأةٌ (رؤيا 17: 4). كان الاحمرار الشَّديد للوحش يرمز إلى نهمها إلى القوّة والرّبّح والشَّهوة الجنسيَّة. كانت الرَّاكبة تقود الوحش بثقةٍ. وبدا الوحش مطيعاً للمرأة رهن إشارتها وطوع أوامرها.
قد يتساءل المرء: هل اختار الوحش لنفسه لون الثَّوب نفسه الذي ارتدته راكبته؟ كنَّا قد قرأنا في الأصحاح 13: 1- 8 وصفاً للوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ، ولكن بدون أيِّ إشارةٍ إلى اللَّون. فهل كان الوحش قد تلوَّن مِن قبل بطريقةٍ تشبه تصوير القرآن للمعموديَّة المسيحيَّة على أنَّها "صِبْغَةُ اللَّهِ" (سورة البقرة 2: 138)؟ إنَّ لون التِّنين القديم، أبي الوحش، هو على أيَّة حالٍ شديد الاحمرار مِن البداية (رؤيا 12: 13). إذاً ظهر الوحش الطالع مِنَ البَحْرِ أيضاً بلونه الموروث (رؤيا 17: 3).
بخصوص أهمِّية هذا اللَّون في أيَّام يوحنَّا، تجدر الإشارة إلى أنَّ لون اللِّباس الرَّسمي للقياصرة الرُّومان في القرن الأوَّل كان اللَّون القرمزي.
يجسِّد الوحش الذي في البرِّية الهامدة القوّة المركَّزة للروح المضاد للمسيحية. كان يحمل أسماء تجديفٍ عديدة على جسده، ويزعم في استكباره الوقح أنَّه حامل أسماء الله وصفاته الحسنى. ولعلَّه ادَّعى أنَّه "الرّبّ والإله الأزلي"، أو "رئيس السَّلام القادر عَلَى كُلِّ شَيءٍ"، أو "رئيس الكهنة"، أو "الديّان العادل"، أو "مصدر كلِّ قوّة". البابا أيضاً يدعو نفسه "الآب القدّوس" ويُسمَّى أيضاً "ربَّ العالم"؛ كما أنَّه يدَّعي العصمة في مراسيمه، ويعتبر نفسه وسيط جميع عطايا النِّعمة.
مِن الصِّفات المميِّزة للوحش تأليه نفسه. يمجِّد الوحش الطَّالع مِنَ البَحْرِ نفسه. ومِن جهةٍ أخرى يُمجِّد الرّوح القُدُس الابنَ ويُمجِّد الابنُ الآبَ.
الصّلاة:أيّها الآب السماوي، نسجد لك، لأنّ إبنك الوحيد يسوع عاش متواضعا في دنيانا، ولبس رداء رئيس الكهنة البيضاء. حرّرنا وكثار من أتباع الدّجّال من العطش على السلطة و القوّة والشهرة، والبسنا بتواضوعة مسيحك الحقّ. آمين.

لقد كانت الرّؤيا المذهلة لدينونة الزَّانية العظيمة التي رآها يوحنَّا في البرِّية مصدر وحيٍ للعديد مِن المفسِّرين والمتأمِّلين السَّوداويِّين. فاعتقد البعض أنَّ سقوط الكنيسة الأثيم حدث حين لم يضطهد الإمبراطور قسطنطين المسيحيين بعد في مملكته مثلما فعل أسلافه مِن قبل، بل سكت عن الكنائس الأرثوذكسيَّة وضمَّها فيما بعد إلى مملكته، فصار قسطنطين، بوصفه كبير الأساقفة، ربَّهم الأعلى. ومنذ ذلك الحين اختلطت الدَّولة بالدِّين، السِّياسة بالكنيسة، القوّة باللاَّقوّة في الشَّرق الأوسط. فأُسكِت الوعظ والنَّقد والتَّصحيح المتبادَل على نطاقٍ واسعٍ. وأصبحت الكنيسة أداةً في يد الدَّولة. واستوطنت التَّسويات الفاسدة بخصوص مسائل الإيمان، بل سُمح للأساقفة والرُّهبان بأمرٍ مِن الإمبراطور الرُّوماني الشَّرقي أن يصوغوا اعترافات الإيمان الأساسيَّة للمسيحيَّة. وتمتَّعت الكنائس الأرثوذكسيَّة، بوصفها كنيسة الدَّولة، بامتيازات حاسمةٍ، وأعطت الحكَّام، ليس في أحيانٍ نادرةٍ، موافقتها الضِّمنية. وكان المنشقُّون يُضطهَدون اضطهاداً دمويّاً مِن قِبَل الدَّولة والكنيسة.
يعتقد مفسِّرون آخرون أنَّ الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة هي المقصودة برؤيا يوحنَّا، وأنَّ "بابل الزَّانية" تُشير إلى "المدينة العظيمة" روما. في أمواج هجرات النَّاس الواسعة النِّطاق قُهرَت روما ودُمِّرَت عدَّة مرَّاتٍ. ولكنَّها كانت كلَّ مرَّةٍ تقوم مِن جديدٍ عبر تقاليدها المحلِّية وقوّة الأُسَر الملتحمة. وفي النِّهاية تبلورت دولةٌ كنسيَّةٌ حكم فيها البابا الخاصُّ على البلاد والنَّاس والسِّلاح والمقدَّسات. على أثر الهجرات الواسعة النِّطاق تُركَت الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة ممسكةً بيدها مقاليد الأمور بثباتٍ. فحاربَت لمدَّة قرونٍ في أوروبا بمكرٍ وقوّة للحفاظ على سلطانها على الأباطرة والملوك. وكانت الحروب الصَّليبيَّة مع بؤسها الذي دام أكثر مِن مائتي سنةٍ خيبةً سياسيَّة – دينيَّة لإساءة فهم روما المتعطِّشة القوّة. في صورة إعلان يوحنَّا جلست المرأة المتسربلة بالقرمز والأرجوان بثباتٍ على السّرج مدَّةً طويلةً في روما. يملك البابا حتَّى يومنا هذا على دولته الكنسيَّة الصَّغيرة، ويتمتَّع بنفوذٍ عالميِّ النِّطاق، وهو لم يُبطل قطّ أيّاً مِن المراسيم التي سنَّها الباباوات السَّابقون قَبْلَه.
فيما يخصُّ الكنائس البروتستانتيَّة، كانت هذه الكنائس منذ بدايتها معتمدةً على قوّة الملوك المحلِّيين ورجالات الدَّولة وأمرائها (دوق وكونت... إلخ.) وكان شعار القانون السَّائد هو: "إيمان الملك هو إيمان البلاد". ولم تكن الكنائس المحلِّية في أيِّ موقعٍ قادرةً على اتِّخاذ قرارات بطريقةٍ مستقلَّةٍ، لأنَّ الحاكم آنذاك كان في الوقت نفسه سيِّد الكنيسة الأعلى. وكانت كراسي اللاَّهوت المهنيَّة في الجامعات الوطنيَّة تُعيَّن وتُموَّل على حدٍّ سواء مِن قِبَل حكومة البلاد، حيث إنَّ تعليم الإكليروس لم يكن في يد الكنيسة وحدها. وحتَّى في يومنا هذا يعكس رفع ضريبة الكنيسة مِن خلال دوائر الدَّخل الحكوميَّة التَّعاون الوثيق بين الكنيسة والدَّولة. تتمتَّع الكنائس في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة باستقلاليَّةٍ أوسع. ومع ذلك كثيراً ما يرى المرء علم الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة منصوباً بجانب منبر الكنيسة مشيراً إلى التزام الولاء للدِّيمقراطيَّة الأمريكيَّة.
يُظهِر تاريخ الكنيسة أنَّ علاقة التَّعاون أو الخضوع أو التَّبعيَّة بين السُّلطات الدُّنيوية والرّوحية اختلفت في دولٍ معيَّنةٍ، وتغيَّرت على مرِّ الزَّمان. أمَّا السَّعي الحثيث وراء القوّة والتَّملُّك والنُّفوذ في السِّياسة فبقي امتحاناً أساسيّاً للكنائس.
نقيض ذلك، عاش يسوع ورُسُله فقراء لا حول لهم ولا قوّة. وعملوا في سلطان الله بواسطة روحه القدّوس (أَعْمَال الرُّسُلِ 3: 6، 16). أعلن يسوع بكلِّ بوضوحٍ لأتباعه: لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ (متَّى 6: 24). حالَما تسعى الكنائس وممثِّلوها وراء الاهتمام الدُّنيوي بالقوّة والنُّفوذ تُعرِّض نفسها إلى خطر خسارة قوّة الرّوح القُدُس.
الصّلاة: أيّها الآب السماوي، نعظمك ونشكرك لأجل جماهير المؤمنين الأمناء في الكنائس التي تكرز فيها الإنجيل الكامل. ساعد الأحبار والمسؤلين فيها أن يستغنوا عن المقدرة الدنيوية وعن التدخل في الأمور السياسية، بل أن يختاروا إقتناع المسيح وحياة رسله البسيطة. آمين.

رأى يوحنَّا الزَّانية العظيمة بابل ليس فقط في كنيسةٍ قد أصبحت دنيويَّةً في مجرى التَّاريخ. كذلك تألَّم مِن الزِّنى الرّوحي الحالي لشعبه الخاص. كثيراً ما كان أنبياء العهد القديم يتهمون شعبهم بعدم الأمانة تجاه ربِّ العهد (إِشَعْيَاء 6: 9- 13؛ إرميا 13: 25- 27؛ 44: 17؛ حزقيال 16: 23؛ هوشع 2: 1- 15).
دعا يسوع غالبيَّة أمَّته "الجيل الفاسق". أحبَّ كثيرٌ منهم المال الذي صار إلههم (متَّى 6: 19- 24؛ 12: 39؛ 14: 4؛ مرقس 8: 38).
لا السَّبي البابلي (في العامين 597 و587 ق.م.) ولا خراب الهيكل الأوَّل (عام 587 ق.م.) قد غيَّرا طبيعة اليهود للأفضل، بل أسوأ مِن ذلك كلِّه انفتاحهم في بلاد ما بين النَّهرين لمعتقدات وممارسات البابليين والفرس الباطنية السِّرية.
بعد تدمير الهيكل الثَّاني على يد الرُّومان (عام 70 م.) جاء تشتُّت اليهود جميعاً وسط بلدان الإِمْبرَاطُوْرِيَّة الرُّوْمَانِيَّة (عام 132 م.). ومع ذلك شقَّ عددٌ مِن هؤلاء طريقهم ليصيروا مستشارين ومسؤولين وحكَّاماً. فمارسوا نفوذاً قويّاً على حكومات واقتصاديَّات هذه البلدان.
كانت دعوة اليهود المبدئيَّة ليكونوا مملكة كهنة و أمَّة مقدَّسة في وسط الأمم النَّجسة والجاهلة (خروج 19: 5- 6؛ إِشَعْيَاء 42: 6) منسيَّةً قروناً. ولم يُتمِّم هذه الوصيَّة سوى رسُل المسيح الاثني عشرة المتحدِّرين مِن أسباط بني يعقوب الاثني عشرة (أَعْمَال الرُّسُلِ 1: 8).
نقيض ذلك، تقسَّت الكُنُس ومدارس التَّوراة بما فرضته شريعة موسى مِن ختانٍ ومأكولات محلَّلة وأعياد يهوديَّة بما في ذلك مقتضيات حفظ السَّبت، فلم يُخضِعوا أنفسهم للتَّوبة استعداداً لقبول المسيَّا (متَّى 3: 7- 12؛ يوحنَّا 8: 41- 45؛ رؤيا 2: 9؛ 3: 9). تقسَّى معظم اليهود أكثر فأكثر تجاه الآب والابن والرّوح القُدُس (يوحنَّا 16: 2- 3) وتعلَّقوا بيهوه الله الواحد الأوحد مِن دون أن يُدركوا أنَّه بصفته الرّبّ قد جعل مسكنه بينهم ليحيا ويعمل في شخص يسوع (متَّى 13: 11- 17؛ يوحنَّا 1: 11- 14؛ 8: 43؛ رومية 2: 28- 29؛ 9: 6). رفضت غالبيَّة أمَّته أن تكون لها علاقةٌ بروحه. فأبغضوا يسوع بدون سببٍ (يوحنَّا 15: 22- 25) وجعلوه يُصلَب على يد الرُّومان. ولكنَّ يسوع سأل أباه أن يغفر لهم جميعاً (لوقا 23: 34). وعندما رفضت الأكثريَّة بعنادٍ الرّوح القُدُس نُزِع ملكوت الله الرّوحي منهم (متَّى 21: 43؛ أَعْمَال الرُّسُلِ 28: 25- 28).
وفيما بعد، تمادى قادتهم معلِّمو الشَّريعة في غِيِّهم حتَّى إنَّهم حملوا السنهدريم (مجلسهم الأعلى) على الإقرار أنَّ اليهود الذين آمنوا بيسوع بوصفه المسيَّا الموعود لن يكونوا فيما بعد يهوداً أو إسرائيليِّين.
حتَّى هذا اليوم يجلس أعضاء العهد القديم "على مياهٍ كثيرةٍ" ويمارسون بثروتهم وذكائهم نفوذاً قويّاً على الحكومات والثَّقافات ووجهات النَّظر العالميَّة. إنَّ الذَّكاء والحصافة والخبرة اليهوديَّة تعمل بصورةٍ حاسمةٍ، لا فرق سواء عن طريق الثَّورة الفرنسيَّة أو الشُّيوعية الماركسيَّة، سواء في الصِّحافة أو على التِّلفزيون، سواء في الماسونيَّة أو في العِلم.
أمَّا اسم الآب والابن والرّوح القُدُس فمرفوضٌ في المقام الأوَّل، أو مقموعٌ، أو مكروهٌ مِن قِبَل الأكثريَّة. لقد انفتح كثيرون للرُّوح المضاد للمسيحيَّة (متَّى 23: 37- 39؛ 27: 25). ولعلَّ الجالسة على الوحش التي رآها يوحنَّا في البرِّية لم تكن الكنيسة الدُّنيوية فقط بل الكنيس الفاسد أيضاً.
الصّلاة: نشكرك أيّها الآب السماوي، لأن إبنك الوحيد صُلب كملك اليهود موكفّرا عن خطاياهم، وغافرا آثام مبغضيه. إمنح لأولاد يعقوب التوبة النصوحة ليرفّ روحك القدّوس عليهم، ليحبوا مخلصهم، ويؤمنوا بألهيته، لينالوا منه الحياة الأبدية. آمين.

تابع يوحنَّا وصف رؤياه في البرِّية، فلاحظ بدهشةٍ وحيرةٍ أنَّ المرأة الوحيدة الجالسة على الوحش كانت متسربلةً بثوبٍ أرجوانيٍّ ووشاحٍ قرمزيٍّ (رؤيا 17: 4). كان الأحمران البنفسجي والفاتح اللَّونين السَّائدَين اللَّذَين كشفا النِّقاب عن شخصيَّة الزَّانية: كانت تريد النَّجاح والشُّهرة، وأن تعيش مطامحها العاطفيَّة. كما كانت تريد، في الوقت نفسه، أن تفرض قوَّتها واحترامها بالقوّة بواسطة مشاريعها الاقتصاديَّة.
لم تتورَّع الزَّانية بأساورها وخواتمها وزنانيرها المزخرَفة وحذائها عن تمجيد نفسها، فعرَضَت علانيةً حجارتها الكريمة ولآلئها وجواهرها. ولا بُدَّ أنَّ هذه الكنوز هي هدايا مِن عشَّاقها الأغنياء الكثيرين الذين أرادوا أن يروا أهدافهم تتحقَّق. يا للمرأة المسكينة! لم يحبّها أحدٌ في الحقيقة. فالجميع إمَّا استغلُّوها لغاياتهم الخاصَّة أو خافوا منها. كانت المرأة وحيدةً على الرَّغم مِن مظهرها الرَّائع. لقد أظهرَت ثراءها قصداً كي تُكرَّم وتُمدَح. مجَّدَت نفسها في غرورٍ مسرفٍ. تألَّقَت استكباراً ومكراً وشهوةً وخداعاً.
المرأة المستكبرة هي نقيض الرّوح القُدُس الذي لا يُمجِّد نفسه بل يسوع ابن الله (يوحنَّا 16: 13- 14). وأتباع المسيح لا يطيب لهم تأليه أنفسهم، ولا يتحدَّثون باستمرارٍ عن جميع حسناتهم وخبراتهم، بل يشهدون لربِّهم يسوع المسيح المصلوب والمقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ.
كم فقيراً ومعدماً ساعدت هذه السَّيدة الفائضة غنىً وثراءً؟ أو كم جائعاً أطعمَت؟ غير أنَّها لم ترَ البؤس، ولم تكن عندها شفقة عليهم لأنَّها أرادَت المجد والسِّيادة والحكم لنفسها فقط.
سيُلاحظ بهلعٍ كلُّ مَن يُشاهد على التلفزيون اجتماع الكرادلة والأساقفة الكاثوليك في قبَّة القدِّيس بطرس بروما أنَّ معظم الكرادلة متسربلون بأثوابٍ قرمزيَّةٍ والأساقفة بأرجوانٍ متألِّقٍ. هل هذه مماثلةٌ واضحةٌ للمرأة الجالسة على الوحش في رؤيا يوحنَّا، أم مصادفة، أم إثبات؟ هل أصبح أسياد الكنيسة حكَّاماً وطلاَّب سلطةٍ مقنَّعة؟ أم إنَّهم يُنكرون أنفسهم كخدَّامٍ متواضعين للمسيح؟ إنَّ بعض قبابهم وكاتدرائياتهم وكنائسهم وأماكن عبادتهم يعجُّ بالذَّهَب. مزاراتهم وكؤوسهم وصور القدِّيسين تلمع في وهج حجارةٍ كريمةٍ لا حصر لها. أين فقر المسيح الذي يُفترَض أن نراه فيهم؟ حتَّى محمَّد حين أراد أن يُطعم ويُعيل لاجئيه في مكَّة حاول التَّطاول على الثَّروة التي في الأديرة الأرثوذكسيَّة (سورة التَّوبة 9: 34- 35). يزعم الخبراء أنَّ الثَّروة المدَّخرة للكنائس الأرثوذكسيَّة والكَاثُوْلِيْكِيَّة تفوق كلَّ تصوُّرٍ.
الصّلاة: أيّها الرّبّ المسيح، نشكرك، لأنك عئشت في حياتك الدنيوية مقتنيعا بما منحك أبوك السماوي، ولم تملك بيتا ولا سريسا ولا حمارا ولم تبن بيتا كنسيا فخيما. علمنا الإقتناع والبساطة، لكي لا نتمنى أن نصبح أغنياء ولا مشهورين في المجتمع، بل رحماء مقبولين عند أبينا السماوي. إمنح النهدى الرّوحية في العالم كله، لتنته الحروب والبغضة والحقد. آمين.

رأى الشَّيْخ الجَلِيْل يوحنَّا في رؤياه كأساً ذهبيَّةً في يد المرأة المنتشية بالحبِّ والتي كانت لها علاقاتٌ بالأمراء والملوك والرُّؤساء والحُكَّام (رؤيا 17: 4). تمدُّ المرأة الجالسة على الوحش القرمزيِّ كأسها الذَّهبية المزخرَفَة إلى أعظم النَّاس نفوذاً في العالم كي يشربوا منها فيتأثَّروا ويسكروا بروحها.
ولكن كلّ مَن ينظر إلى داخل هذه الكأس المتقنَة الصُّنع والبارعة الجمال سيُصاب بالصَّدمة والاشمئزاز، لأنَّ فيها يزحف ويدبُّ كلُّ شكلٍ مِن أشكال الرّجاسات والنَّجاسات. يصف يوحنَّا باشمئزازٍ هذا التَّباين الفظيع، مثلما قال الرّبّ يسوع للفريسيين: خَارِجُ الْكَأْسِ نقيٌّ, وَأَمَّا الدَّاخلُ فَمَمْلُوءٌ اخْتِطَافاً وَخُبْثا (لوقا 11: 39).
يُطرَح مرَّةً تلو الأخرى السّؤال عن مفهوم الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة للشَّركة، إذ يزعم كهنتها وعلماؤها أنَّهم يكسرون جسد المسيح كلَّ مرَّةٍ يكسرون فيها خبز القربان، وأنَّهم بذلك يقدِّمون جسد المسيح المكسور الحقيقي إلى المؤمنين، فهم بذلك يُعيدون قتل ابن الله كلَّ مرَّةٍ. والكهنة وحدهم مخوَّلون ومستحقُّون أن يتولَّوا هذا العمل والتَّحويل. ولكنَّ هذا التَّعليم ليس أصليّاً، ففي اللُّغة العبريَّة لا وجود لفعل الكون (is) (كما في الإنكليزيَّة) بمعناه الشَّائع في اللُّغات الهنديَّة – الجرمانيَّة. وبحسب مفهوم اللغة السَّامية لم يقل يسوع: "هذا هو جسدي"، ولم يقُل أيضاً: "هذا يرمز إلى جسدي"، بل قال: "هذا - جسدي"؛ "هذا – جسدي"، فترك العبارة مفتوحةً للتَّساؤل هل تُشير هذه الكلمات إلى وجود حقيقي أم أنَّه ينبغي فهمها مجازيّاً!
رغم ذلك إنَّ كلَّ مَن يستنتج، مِن هذه الكلمات الخاصَّة لتناول الشَّركة المقدَّسة، التَّعليم بأنَّ كلَّ كاهنٍ مفوَّضٌ، حتَّى بموجب التزام، أن يذبح يسوع ويقتله مرَّةً أخرى بل وتكراراً، يسقط ضحيَّة غطرسةٍ وقحةٍ، فيُجدِّف بعقيدته الطَّقسيَّة على ذبيحة يسوع الذَّاتية الشَّرعية على الصَّليب التي تمَّت مرَّةً واحدةً فقط وإلى الأبد (يوحنَّا 19: 30؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 10: 14).
منذ عهدٍ قريبٍ نسبيّاً في تاريخ الكنيسة وفي مجمع الفاتيكان الأوَّل عام 1870 فرض البابا بيوس التَّاسع العقيدة الكنسية بعصمة البابا في المسائل المتعلِّقة بالتَّعليم. فرض هذه العقيدة مستخدماً القوّة والمكر بمواجهة أكثريَّة الكرادلة والأساقفة الذين كانوا يعارضون سلطانه. وبذلك بجَّل نفسه لأنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ كَاذِبٌ ومُخطئٌ أمام الله (مزامير 116: 11؛ رومية 3: 4). لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ (مزامير 14: 1- 3؛ رومية 3: 10- 12). إنَّنا جميعاً مِن الأرض ويُعوزُنا مجد الله وحكمته وقداسته (رومية 3: 9؛ 19: 23).
أدرك الدُّكتور مارتن لوثر في نضاله بخصوص تفرُّد الكِتَاب المُقَدَّس وحده بالسُّلطان أنَّ "المجامع وهيئات السّنودس مثلها مثل اللِّجان والمجالس النِّيابيَّة عرضةٌ للخطأ. وقد تجلَّى هذا الخطأ بخاصَّةٍ في بطرس (الذي تَزْعُم الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة أنَّه البابا الأوَّل). واضطرَّ بولس إلى تصحيح خطأ بطرس مجاهرةً حين انسحب الأخير، خوفاً مِن اليهود، مِن الأكل مع المسيحيين الأمم جاعلاً مِن تقوى العهد القديم رياءً، ومُصنِّفاً المسيحيين مِن العالم الوثني كمؤمنين مِن الدَّرجة الثَّانية (غلاطية 2: 11- 14). وقبل ذلك بسنواتٍ حاول بطرس أن يثني الرّبّ عن درب الصَّليب ولكنَّ يسوع انتهره قائلاً: اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي, لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ (متَّى 16: 21- 23). إنَّ كلَّ مَن يُعلن كبابا أنَّه معصومٌ في وظيفته يجعل الله كاذباً (إِشَعْيَاء 6: 5- 7؛ 1 يوحنَّا 1: 10).
يميط تاريخ الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة اللِّثام عن التَّعليم غير الكتابي بعصمة البابا كخداع للذَّات. أمر البابا ستيفان السَّابع (896 إلى 897) بنبش البابا المتوفى فورموسس مِن التُّراب، ووضع عظامه في قفص الاتِّهام وجعله يُدان بالهرطقة في محكمةٍ ساخرةٍ. في بداية الألفيَّة الثَّانية كان يوجد في ذلك الزَّمان ثلاثة باباوات: غريغور السَّادس، وبنيدكت ، وسيلفستر الثَّالث. أيُّ واحدٍ مِن هؤلاء الثَّلاثة كان معصوماً؟ لقد كانوا جميعاً يحاربون بعضهم بعضاً. مِن عام 1309 إلى عام 1377 كان جميع الباباوات فرنسيين وقد أقاموا في "أفينيون" في "بابل" الغرب. أطلق الولدنيون Waldensians على الكنيسة الرُّوْمَانِيَّة في عهدهم اسم "بابل الزَّانية".
لم يُسهِب الشَّيْخ الجَلِيْل يوحنَّا في وصف كلٍّ مِن الرَّجاسات العديدة في الكأس الذَّهبية للمرأة، فقد كانت مقرفة ونجسة جدّاً بالنِّسبة إليه. لقي الشَّيْخ الجَلِيْل في هذه الرّؤيا نقيض ما كان قد اختبره في شركة يسوع، عكس ما كان قد علَّمه وعاشه أمام كنائسه تماماً. كان مجرَّد وجود هذه المرأة الزَّانية هجوماً مباشراً على الرّوح القُدُس، روح الحقِّ والمحبَّة. وبذلك يتَّضح أنَّ الزَّانية العظيمة لا ترمز فقط إلى الكنائس الدُّنيويَّة والكنس الضَّالَّة، بل تمثِّل قوّة عظمى مضادَّة للمسيحيَّة. لقد أظهر الوحش والمرأة نفسيهما معاً بالأحمر المبهرَج في "مظهر شراكة". كانا مِن الرّوح عينه.
الصّلاة: أبانا الذي في السماوات، نعظمك ونحبّك، لأنّ إبنك المسيح يسوع أكمل بموته عوضا عنا الكفارة الكاملة لخطياتا، غافرا ذنوب جميع الناس مجانا. ساعدنا أن نؤمن مع كثيرين من الكفار بهذا الخلاص التامّ لنطمئن أن لا نحن ولا آخرين يستطيعوا أن يخلصنا مع العلم أن إبنك المقتدر قد أكمل كل الإلتزامات لتبريرنا الأبدي. آمين.

ميَّز النَّبي اسماً على جبهة أخطر الزَّواني، اسماً كشف شخصيَّتها وحجبها في الوقت نفسه (رؤيا 17: 5). يبقى هذا الاسم سرّاً. وينبغي لنا ألاَّ نتوصَّل قبل الأوان إلى استنتاجاتٍ وحلولٍ لأحجية نهاية الزَّمان، فلا يمكننا في الوقت الحاضر أن نكتشف المغزى الرّوحي لهذا الاسم.
"بابل العظيمة" أو "بابل المدينة العظيمة" مذكورةٌ ستَّ مرَّاتٍٍ في سفر الرّؤيا (14: 8؛ 16: 19؛ 17: 5؛ 18: 2، 10، 21). وهاتان العبارتان مختلطتان إحداهما بالأخرى في مختلف التَّرجمات. فالحديث في البداية هو عن "بابل العظيمة"، وبعدئذٍ تُعرَّف "ببابل الْمَدِينَة الْعَظِيمَة".
"المدينة العظيمة" (بدون تسميتها) مذكورةٌ مرَّتين (11: 13؛ 16: 19) ويُظَنُّ أنَّها تعني ضمناً إمَّا أُوْرُشَلِيْم أو روما.
إنَّ هذا الاسم المميَّز يُعرِّف شخصيَّة المرأة الجالسة على الوحش. فهي ليست شخصاً "موصوماً" فحسب، بل هي أيضاً رمزٌ للمدينة المضادَّة للمسيحيَّة.
يحمل أتباع المسيح الذين مِن شعب العهد القديم، في نهاية الزَّمان، أيضاً اسماً غير منظورٍ على جباههم وهو اسم الحَمَل واسم الله الآب
(رؤيا 14: 1).
وعد يسوع بخاصَّةٍ راعي الكنيسة في فيلادلفيا أنَّه إن بقي وفيّاً إلى النِّهاية وغلب تجارب نهاية الزَّمان بقوّة الرّوح القُدُس فهو يسوع بنفسه سيكتب عليه اسم إلهه وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلَهِهِ أُوْرُشَلِيْم الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السّماء مِنْ عِنْدِ إِلَهِهِ (رؤيا 3: 12). نظير هذا الوعد سيُكتَب اسم أُوْرُشَلِيْم الجديدة، المكان الذي سيسكن الله نفسه فيه، على جباه القدِّيسين المقدَّسين. هناك يمكن أن يُرى في نقوش الختم السَّيد النجس لبابل المملوءة بالشَّياطين واقفاً مقابل سكَّان مدينة أُوْرُشَلِيْم الرّوحية.

كان هذا الاسم يعني أوَّلاً "باب الله"، أو "الباب إلى الله"، أو "الباب الذي يُعلن الله نفسه مِن خلاله" (باب إيل). ولكن فُهِم فيما بعد أنَّ اسم المدينة يعني "المُبَلْبَلَة" اشتقاقاً مِن الفعل "بَلْبَلَ" لأَنَّ الرّبّ بَلْبَلَ ألسنة سكَّانها بسبب غرورهم الذي لا حدود له.
وكانت بابل العهد القديم قد دُمِّرَت على يد الفرس ولم توجَد بعد في زمن يسوع ورُسُله. لقد دُمِّرَت المدينة العظيمة التي على نهر الفرات كلِّياً (إرميا 50: 35- 40؛ 51: 1- 14).
بالنِّسبة إلى اليهود، يدلُّ الاسم "بابل" خلال جميع العصور على أشدِّ أعدائهم هولاً الذين دمَّروا هيكلهم الأوَّل وأُوْرُشَلِيْم عاصمتهم وسبوا شعبهم. وتبقى بابل في التَّقليد اليهودي العدو الرَّئيسي لله وشعبه.
مِن الغريب أنَّ فئةً قليلةً فقط مِن اليهود، بعد خراب بابل على يد الفرس، عادت إلى وطنها الأم. لقد أغرتهم الثَّقافة المدعوَّة "بالرَّفيعة" في بلاد ما بين النَّهرين والتي أضحَت دينونةً لهم حتَّى إنَّهم آثروا أن يُبقوا بيوتهم ومدارسهم على "المياه الكثيرة" في بطاح بلاد ما بين النَّهرين، فيما نهض قليلون ليعودوا ويبنوا مِن جديدٍ وطنهم الذي كان في غضون ذلك قفراً.
بعدما قهر الرُّومان اليهودَ في عام 70 م. ودُمِّرت أُوْرُشَلِيْم وهيكل هيرودس المجدَّد تدميراً كلِّياً، بدأ اليهود يصفون روما بغيظٍ مريرٍ ببابل القديمة المولودة مِن جديدٍ. وازداد غيظهم حين أُسر سكَّان يهوذا على يد الرُّومان وبيعوا إلى جميع الأمم في عبوديَّة "البرِّيَّة".
كانت ألقاب مدينة روما القديمة هي "العظيمة"، أو القويَّة"، أو "الجبَّارة". وجاء اسم "بابل العظيمة" ليحمل تعريفاً مزدوجاً، اسماً رمزيّاً ثنائيّاً لروما (رؤيا 17: 5). أراد يوحنَّا التَّأكُّد أنَّ كلَّ مَن يقرأ سفره يفهم بالضَّبط مَن وما هو المقصود في زمنه حين تحدَّث عن "بابل العظيمة".
لم تُمثِّل بابل الجبَّارة، بالنِّسبة إلى المهاجرين اليهود، شخصاً منفرداً، بل مدينة خبيثة ذات إدارة شرِّيرة وجيوش قويَّة وسكَّان وثنيِّين. فكانت هذه المدينة غير المقدَّسة المملوءة رجاسات، في نظرهم، هي نقيض مدينتهم المقدَّسة أُوْرُشَلِيْم التي كانت قد دُمِّرَت.

بعد زمن كتابة يوحنَّا بدأت مدينة روما تنهار وسط أمواج الهجرة الجماهيريَّة العارمة للنَّاس في العصور المتعاقبة. ولكنَّ البابويَّة ملأت الفراغ الذي نشأ واتَّخذت لنفسها مِن بين الأمور الأخرى لباس القياصرة التَّقليدي، وتقويمهم بالأشهر المسمَّاة بأسماء القياصرة الرُّومان وآلهتهم، إضافةً إلى أقسامٍ مِن بناهم الإداريَّة النَّاجحة. وبتعبيرٍ آخر، ورثت البابويَّة روما القديمة ودعَت "روماها" الجديدة باستكبارٍ "أمّ جميع المؤمنين"، و"رأس العالم"؛ واللَّقبان كلاهما يُمثِّلان غطرسةً استفزازيَّةً وتجديفاً على يسوع المسيح.
بعد انتصار جيوش الفرس على الإِمْبرَاطُوْرِيَّة البابليَّة، خيَّر الكلدانيُّون اليهودَ ما بين العودة إلى ديارهم أو البقاء في بلاد ما بين النَّهرين. ولكن بما أنَّ الأكثريَّة لم ترغب في العودة بعد إلى أرضها الجبليَّة التي أضحَت في غضون ذلك قفراً، نشأت بين نهري الفرات ودجلة جالياتٌ يهوديَّةٌ. وعلى أثر خراب أُوْرُشَلِيْم الثَّاني في عام 70 م. تأسَّست مدارس بارزةٌ للتَّوراة. ولم يكن التَّعليم في هذه المدارس مبنيّاً بعد على أسفار العهد القديم وحدها، بل اقتبس الكثير مِن ثقافات البابليين والفرس وعباداتهم؛ فكان للتَّنجيم والاتصال بالأرواح والسِّحر والعلوم السِّرية الأخرى تأثيرها في التَّعليم الكتابيِّ. وكانت النَّتيجة تفسيراً مُعَدَّلاً للتَّوراة في صيغة المشنا والتَّلمود اللَّذين يتضمَّن بعض فصولهما نصوصاً ضدّ المسيحيَّة.
هل يمكن أن يمثِّل هذا التَّوحيد والمزج بثقافاتٍ أجنبيَّةً مرَّةً أخرى زنىً روحيّاً بما أنَّه استدعى مصادر وأرواحاً أجنبيَّةً ولم يُبْنَ بعد على كلام الكِتَاب المُقَدَّس وحده؟ على أيَّة حالٍ، قال الملاك إنَّ الرّجس الرّوحي كلَّه نشأ مِن بابل القديمة. الأفكار غير الكتابيَّة، والتَّحريف الذَّكي، والتَّفاسير الكاذبة وجدت طريقها عبر أُوْرُشَلِيْم وروما إلى جميع أمم الأرض.
زعمت بابل أصلاً، بسبب اسمها (باب إيل)، أنَّها "الباب المفتوح إلى الله". ولكنَّ الإله الحقيقي لم يكن يتكلَّم في بابل حيث كانت الأرواح الأجنبية والشِّريرة هي المُعلَنَة. في هذا الشَّأن وقفت بابل وأُوْرُشَلِيْم على طرفي نقيضٍ لأنَّ الإله الحقيقي المُثَلَّث الأَقَانِيْمِ كان قد أعلن نفسه في أُوْرُشَلِيْم.
كان ذوو المكانة المرموقة مِن اليهود في روما القديمة، بتعليمهم التَّلمودي وتحريفهم لشريعة العهد القديم، يُمثِّلون تهديداً روحيّاً للكنائس الحديثة العهد في أيَّام يوحنَّا (أَعْمَال الرُّسُلِ 20: 29). وعلى نحوٍ مشابهٍ، وحَّدت الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة، بعد الهجرات الشَّاملة، تشكيلها في روما الجديدة المقامة مِن جديدٍ. ولصياغة تعليمها وخدمات عبادتها وسلطتها الدِّينية اقتربت مِن الأفكار والمبادئ اليونانيَّة والرُّوْمَانِيَّة، فلم تعُد الكنيسة بقيادة البابا مؤسَّسةً على الكِتَاب المُقَدَّس وحده، بل على أحاديث وتقاليد رجال الكنيسة أيضاً. ولم تؤمن بعد بالفداء بواسطة الإيمان وحده (رغم التَّأكيدات على عكس ذلك)، بل أقامت أيضاً "الأعمال الصَّالحة" في تعليمها للتَّبرير. ألا يُمثِّل هذا التَّحليل الشَّرعي لتديُّن ظاهري خارج متناول الشُّعور مع تبريره الذَّاتي مزجاً معيباً بالوحي الإلهي ويدل في النهاية على زنى الكنيسة الرّوحي؟
ولا بدَّ مِن الإشارة، في هذا الصَّدد عينه، إلى العبادة المفرطة والسُّجود الزَّائد لمريم في الكنائس الكَاثُوْلِيْكِيَّة والأرثوذكسيَّة. في رسائل المسيح إلى السَّبع الكنائس في الرّؤيا لم تُذكر مريم مرَّةً واحدةً. أمَّا اليوم فيجري الحديث عن "حَبَل مريم بلا دَنَس". وبناءً على ذلك لا يكون يسوع إنساناً حقّاً، بل له مجرَّد طبيعة إلهيَّة. توصَف مريم غالباً "بأمِّ الله" التي صعدت إلى السّماء، وهي تظهر منذ ذلك الحين في أماكن عدَّة.
بارك البابا يوحنَّا بولس الثَّاني سوريا وشعب العهد القديم "باسم مريم". ويُكرِّم العديد مِن الكنائس الشَّرقية مريم أكثر مِن تكريم يسوع الذي هو في نظرهم ليس الوسيط والمخلِّص الوحيد، فإلى جانبه، أو حتَّى فوقه، تقف مريم كشفيعتهم وشريكة الله في السُّلطان. ويتعبَّد البعض لها بوصفها "ملكة السّماء". إنَّهم بذلك يُلصقون بمريم المتواضعة أحد ألقاب التَّجديف التي يُعطيها الكِتَاب المُقَدَّس لبابل (إرميا 47: 1، 6؛ رؤيا 18: 7). إنَّ الإيمان الهرطقي بمريم هو رجس عظيمٌ أمام الله (يوحنَّا 2: 4؛ متَّى 12: 46- 49) سيُسبِّب للمسيحيِّين الحقيقيِّين الكثير مِن الضِّيق والشِّدة والكرب في الأَيَّام الأَخِيْرَة.
فوق ذلك كلِّه أذاع المجمع الثَّاني للفاتيكان انفتاح الكنيسة الكَاثُوْلِيْكِيَّة للدِّيانات العالمية الأخرى وبخاصَّةٍ الإسلام لقبول حقائقه الموجودة. ويدلُّ هذا التَّملُّق لإعلاناتٍ غريبةٍ وشيطانيَّةٍ على المزيد مِن الزِّنى الرّوحي، طالما أنَّ يسوع وحده هو الطَّريق والحقُّ والحياة. ولا أحد يأتي إلى الآب إلاَّ به (يوحنَّا 14: 6).
سيُقام في الفاتيكان كرسيٌّ لعلوم ما وراء الطَّبيعة Parapsychology وستُدرَّس في هذا القسم الظُّهورات والعجائب الغيبيَّة فتُمتَحَن وتُقيَّم. أليس هذا باباً يمكن أن تدخل منه أرواح الماضي والحاضر والمستقبل الشِّريرة كلُّها (رؤيا 2: 14)؟
كتب يوحنَّا أنَّ بابل، أمَّ الزَّواني، مسؤولةٌ عن جميع الرَّجاسات على الأرض. إنَّ هذا الإنذار يعنينا نحن أيضاً لأنَّ إضفاء الصِّفة البشريَّة على العجائب على نحو ما أذاعه اللاهوتي "بولتمان" قد عكس المجرى في الواقع وأتى إلى حيِّز التَّنفيذ. الأرواح والشَّياطين اليوم لا تلقى اهتماماً فحسب، بل يُتَّصَل بها أيضاً. وفي بعض الجماعات المتطرِّفة يُسجَد للشَّيطان في قداديس سوداء.

ينبغي لنا كإنجيليِّين ألاَّ نجعل مِن أولويَّاتنا شجب زيغ وضلال الكنائس الأخرى، بل أن نكنس أوَّلاً أمام باب بيتنا. بنى البروتستانت إيمانهم أصلاً على الكِتَاب المُقَدَّس وحده ويسوع ابن الله وحده. ومِن البداية وحتَّى يومنا هذا تمسَّكوا بأصول إيمانهم وفرائض كنيستهم. وفي حالات الشَّك كان مفهوماً أنَّ ضمير الفرد هو السُّلطان النهائي. أمَّا ثقة العديدين مِن البروتستانت بالعقل والفطنة فقد لفتت الانتباه إلى حيِّزٍ كبيرٍ ممَّا لحق بالإيمان الكتابي مِن حيفٍ وزيغٍ. أينما أطلَّ مذهبٌ عقليٌّ ضعيفٌ، وانتقادٌ مستكبرٍ للكتاب المقدَّس، واستنارةٌ سطحيَّةٌ، تتآكل مخافة الله. والكنيسة التي تضع المذهب العقلي والفلسفة والعلم والفكر السَّائد فوق الكِتَاب المُقَدَّس تغرق إلى مستوى زانية روحيَّة. إنَّ وحدة الإيمان القائمة على التَّساهل والتَّسامح في العقيدة، والاحترام الكاذب، وكذلك البحث عن إجماعٍ شاملٍ للجميع يفتح باب الكنيسة على الأرواح النَّجسة. والمبادئ المتعدِّدة الثَّقافات والمازجة للأديان وحتَّى بعض مبادئ حقوق الإنسان في تعليم الكنيسة هي مدعاة غضب الله ودينونته. مَن يدرس رسائل المسيح السَّبع إلى الكنائس في أَسِيَّا الصُّغْرَى وفي نهاية الزَّمان يفهم أنَّ الرّبّ المقام يسهر بغيرةٍ على أتباعه ليرى أنَّهم يتمسَّكون به وبإنجيله وحدهما. إنَّ الثَّمرة المنظورة للزِّنى الرّوحي هي حين يجرؤ الأساقفة والقسوس الإنجيليُّون على التّسامح أو حتَّى القبول باللِّواط والسِّحاق والانحرافات المشابهة. كلَّما وحيثما تناقصت مخافة الله والاستقامة والبِرُّ تزحف حرِّيةٌ مطلَقَةٌ مضللةٌ تُحلِّل بسخاءٍ كلَّ خطيئةٍ. طوبى للذي يضع مشيئته وفهمه تحت قيادة العهد الجديد وكلامه تحت إرشاد الرّوح القُدُس.
الصّلاة: أيّها الآب السماوي، نشكرك لأن إبن مريم يسوع هو كلمتك المتجسد وخلاصة جميع النبوات السابقة. إمنح لنا موهبة تمييز الأرواح لكي لا نصغي ولانؤمن بتعاليم الكنائس التي تعارض أو تفوق وحي الإنجيل، ولا نتكل على آراء الفلاسفة الغنانة، ولا نعتقد بتعاليم الأديان الأخرى، وتغلق نفوسنا للوصواص الأرواح المضلة اليوم. إن حقك هو المسيح المصلوب المقام من بين الأموات، الجالس عن يمينك، والآتي ليدين ألأحياء والأمات وليس لملكه نهاية. آمين.

لماذا كان يوحنَّا الشَّيْخ الجَلِيْل الخبيرُ الذي عاش في ثقافاتٍ مختلفةٍ في غاية التَّعجُّب مِن أمِّ زواني الأرض (رؤيا 17: 6)؟ ماذا بدا له أمراً لا يمكن تصوُّره في شأن هذه المرأة؟ كيف تُلقي نصوص الكِتَاب المُقَدَّس الضَّوء على مَثَل هذه المرأة التَّقيَّة وسقوطها العظيم في قوّة وسلطان ضدّ المسيح؟
لقد خلق الله هذه "المرأة" أيضاً على صورته وشبهه كي تعكس قداسته ومحبَّته (تكوين 1: 27). ووهب لها كما لجميع النَّاس التَّوبة المؤدِّية إلى النِّعمة والتَّطهُّر مِن كلِّ خطيَّةٍ. لقد دعاها إلى الحياة معه في عهدٍ أبديٍّ (إِشَعْيَاء 1: 18؛ إرميا 31: 3؛ 31- 34)؛ فوضع بذلك الشُّروط أن تخصَّه هو وحده، وتحيا معه وله، وتبقى أمينةً له إلى الأبد مثلما أعلن هو بنفسه أمانته الأبديَّة لها (هوشع 2: 19- 20). برزت هذه المرأة احتمالاً إمَّا مِن شعب العهد القديم أو مِن كنائس العهد الجديد؛ بَيْدَ أَنَّها شابهَت "جثَّةً هامدةً" لم تكن ميتةً في الخطيَّة ولا حيَّةً في الرّوح القُدُس. مِن المُسلَّم به أنَّها لم تكن لديها ميولٌ يهوديَّة أو مسيحيَّة، ولكنَّها لم تقبل يسوع أبداً مخلِّصاً لها، ولم تُسلِّم نفسها قطّ لتصبح خاصَّة إلهها وربِّها. فلم يحيَ روحه في قلبها ولم يأتِ بتحقُّقٍ تامٍّ لوجدانها. وهي لم تذكر اسمه عمليّاً قطّ في كلامها أو صلواتها. لم يكن اسمه مختوماً بصورةٍ غير منظورةٍ على جبهتها. فهي لم تحبّ يسوع (متَّى 22: 37).
ربَّما كانت هذه المرأة تحلم بمستوى رفيع مِن العيش الرَّغيد وتطارد آمالها الوهميَّة. كانت خائبة الأمل مِن يسوع ومستحييةً به لأنَّه كان فقيراً (متَّى 8: 20؛ 21: 3؛ لوقا 9: 58)، كما أنَّه لم يكن حائزاً أيَّ شهاداتٍ جامعيَّةٍ بارزة، ولم يكن رياضيّاً ناجحاً ولا بطلاً حربيّاً. كان وديعاً ومتواضعاً يتحاشى كلَّ نزاعٍ قدر الإمكان (متَّى 11: 28- 29؛ 26: 52). لم تتحمَّس هذه المرأة للنَّاصري لأنَّها أرادت الشُّهرة والمجد لنفسها، وكانت حياتها كلُّها تدور حول أنانيتها المستكبرة. فغالت في تزيين نفسها، وأرادت على نقيض يسوع أن تتألَّق وتاقت إلى القوّة والنُّفوذ (متَّى 16: 24- 26؛ يوحنَّا 5: 41- 44؛ رؤيا 17: 4). فلم تشأ أن تتخلَّى عن خطاياها.
إضافةً إلى ذلك، ظنَّت هذه المرأة أنَّ الرّبّ بعيدٌ جدّاً وموجودٌ في مكانٍ ما في الأبديَّة البعيدة، فلم تنتظر بحماسٍ عودة المخلِّص. لم تفكِّر فيه قط، وأقنعت نفسها: أنَّه لا يراني ولا يسمعني. وكان هذا أمراً حسناً بالنِّسبة إليها لأنَّها أرادت أن تكون هي ربَّة وسيِّدة نفسها، ففعلت كلَّ ما طاب لها فعله. أمَّا وصاياه وعروضه فكانت أموراً تافهةً؛ لذلك استهانت به وأخيراً احتقرته.
لم تكتفِ هذه المرأة بالتَّعرف إلى مشاهير الفلاسفة والكرادلة والكتَّاب والملوك، بل عزَّزت اتِّصالاتها بهم، وأفادت مِن حقيقة كونها جذَّابة وذكيَّة. وبنقلةٍ ذكيَّةٍ أخفت نفسَها وراء مريم أمِّ يسوع، فضمَّتها إلى برنامج عملها، وأشاعت أنَّ مريم ستكون الشَّفيع الحقيقي في ساعة الموت. ولعلَّ هذه المرأة المرتدَّة واظبت على اتِّصالها المنتظم بأرواح الموتى وبالشَّياطين التي استحوذَت عليها. كان النَّاس المهمُّون والأرواح الغامضة أهمَّ بالنِّسبة إليها مِن الرّبّ الآتي الذي أنكرت أمانتها وطاعتها له منذ زمنٍ طويلٍ. لقد أنكرت الزَّانية الرّوحية شخص يسوع الفريد.
وفي أعماق قلبها احتقرت ابن الإنسان وأبغضته لأنَّه لم يجعلها مركز كنيسته ولا الشَّخصية البارزة القياديَّة في المجتمع؛ فلم تُرِد أن يُصبح يسوع رأسها أو مخلِّصها، بل أرادت أكثر بكثيرٍ أن تُحقِّق ذاتها وتتألَّق بمنجزاتها. اعتبرت نفسها ذكيَّةً وموهوبةً على نحوٍ خارقٍ، فتعثَّرت مِن خطيَّةٍ إلى خطيَّةٍ وعاشت في سجنها الذي أكرهت نفسها عليه (متَّى 12: 45؛ أَعْمَال الرُّسُلِ 20: 30؛ 1 كُوْرِنْثُوْس 11: 19؛ 1 يوحنَّا 2: 1- 18؛ عِبْرَانِيِّيْنَ 3: 7- 13؛ 6: 4- 8؛ 10: 26- 29؛ 2 بطرس 2: 20).
فضَّلت المرأة، في المَثَل، الوحش الضَّاري الطَّالع مِن بحر الأمم على حَمَل اللهِ الوديع، وسلَّمت نفسها كلِّياً للوحش ولأتباعه؛ فأحبَّت الوحش وأُعجِبَت بأكاذيبه الذَّكية، واشتاقت إلى قوَّته. إلى ذلك الحدِّ تمتَّعت هذه المرأة بالوحش وأثَّرت فيه باختباراتها الكتابيَّة. ولكنَّ الوحش، في الوقت نفسه، ألهب كيانها بوحيه الشَّيطاني واستغلَّها استغلالاً رهيباً، فشكَّل كلاهما انسجاماً مريعاً في وحدة الرّوح الشِّرير.
إضافةً إلى ذلك أظهرت الزَّانية العظيمة احتقارها ليسوع بإيذاء أتباعه كلَّما
استطاعت ذلك. إنَّ الحقيقة أنَّها لم تكن عندها أيُّ نيَّةٍ على الإطلاق للخضوع له، وأنَّها كانت تقاوم روحه وكلمته، قد جعلت أيضاً قدِّيسيه المتواضعين شوكةً دائمةً في قلبها وضميرها؛ فحاربتهم بكلِّ مكرها وقوَّتها. وقاوم الرّوح الذي فيها الرّوح القُدُس ليل نهار؛ ففعلت هذه المرأة بيسوع وأتباعه أشرَّ ممَّا فعله الوحش نفسه. لم تشأ أن تفقد حنانه أو سيطرتها، فأصبحت زانيةً حقودةً أحسَّت بشوكة الشَّهادة المسيحيَّة في ضميرها.
وتركها ابن الشَّيطان وحدها طوال انتفاعه بها، فكانت تجذب الجماهير وتقودهم إليه. ولكنَّ المرأة علمت أيضاً أنَّ الجنس أو الحبَّ أو العلاقات المؤثِّرة أو التَّحريض على حمَّامات الدَّم بين المسيحيين لن تكفي لإرضاء دكتاتور سفَّاح كالوحش مدَّةً طويلةً. إذا أرادت أن تظلَّ السَّيدة المسيطرة الجالسة على الوحش فهي تحتاج إلى إرضائه بالمال والذَّهب و القوّة. ولذلك استخدمت علاقاتها التِّجارية العالميَّة مؤمِّنةً في الوقت نفسه امتيازاتها الخاصَّة. فأحبَّت المال، الكنز الذي في يدها، و القوّة ، وكلَّ ما شعرت أنَّه مناسبٌ لها، وتزيَّنت بإفراطٍ حتَّى تبدو بهيَّةً. ولكن مِن شأن ذلك أن يودي بها حتماً إلى نهايتها.
مِن المحتمل أنَّ أمّ الزَّواني، في غضون ذلك، قد تفوَّقت على النَّبي الكذَّاب، مستشار الوحش، بإضعاف سلطته وإزاحته بصمتٍ. فانتقامه منها مؤكَّدٌ قطعاً. وأدرك المتودِّدون إليها أخيراً حدود خيالها وشبعوا مِن جمالها. ورغبةً منهم في الوصول إلى مصادر المال قتلوا المرأة بوحشيَّةٍ وخاضوا المعركة في سبيل إرثها؛ فافترسوا أمَّ الزَّواني.
إنَّ مَن يُدرك في هذا المَثَل يهوديَّةً متحرِّرةً أو متعصِّبةً، أو كنيسةً مطابقةً متعطِّشةً للقوّة في مكان الزَّانية، يقترب مِن فهم معنى هذه الأوصاف.
كما يدعونا هذا المثَل إلى الارتياب في أنفسنا كي نمتحن أنفسنا ونرى هل إنَّنا نحبُّ يسوع ونثق فيه مِن كلِّ قلبنا ومِن كلِّ نفسنا ومِن كلِّ قوَّتنا؟ هل نحن أمناء له وحده، أم إنَّنا نطلب التَّكريم أو القوّة أو المال أو العلم أو الأصنام والأرواح العصريَّة؟ هل يُشبع يسوع وحده وعينا ولاوعينا، أم إنَّنا لا نزال نتعلَّق بمساعدين غيره؟ هل هو وحده ربُّ حياتنا، أم إنَّنا سلَّمنا التَّحكم في نفوسنا إلى أرباب آخرين؟ ينبغي ألاَّ نتسرَّع في إدانة المؤسَّسات والجماعات الأجنبيَّة، بل أن نتوب بَدَل ذلك حتَّى لا يفصلنا شيءٌ عن يسوع (متَّى 7: 1- 5).

الصَّلَاة
يا أبا ربِّنا يسوع المسيح، لا تُدخلنا في تجربة، بل نجِّنا مِن الشِّرير. طهِّرنا وحرِّرنا مِن كلِّ نيَّةٍ شرِّيرةٍ وارتباطٍ بأرواح نجسة، ومِن كلِّ فكرةٍ سيئة. ساعدنا لنحبَّك وحدك وابنك يسوع، وارشدنا أن نسمعك ونثق فيك ونطيعك دون قيدٍ أو شرطٍ في قوَّتك. آمين.
السُّؤَال
ما هي معاني ألوان الوحش والراكبة عليه؟ ما هو قصد الأسماء المجدفة المكتوبة على الوحش؟ ما هي الفروق بين كنيسة الدولة والكنيسة المستقلة؟ لماذا سلك المسيح ورسله بعيدا عن السلطة السياسية كانوا عائشينا بالقتناع؟ كم مرة ومتى إندمر إسرائل؟ لماذا تنكر اكثرية أولاد يعقوب الله الآب والإبن و روحه القدّوس؟ لماذا أبرزت الزانية فَخْفَخَتها بالوضوح؟ ما هي الرِّجْسات في كأس الذَّهبيَّة؟ ما هي الأرواح الغريبة التي أثرت على تعاليم المشنا والتَّلمود؟ ما هي الأرواح النجسة التي تتدخل الكنائس اليوم؟ كيف ولماذا ابندأ ارتداد الزانية عن الله ومسيحه؟