Skip to content

Commentaries
Arabic
رومية
  
1:29مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِنًا وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ مَشْحُونِينَ حَسَدًا وَقَتْلاً وَخِصَامًا وَمَكْرًا وَسُوءًا30نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ مُبْغِضِينَ لِلَّهِ ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ31بِلاَ فَهْمٍ وَلاَ عَهْدٍ وَلاَ حُنُوٍّ وَلاَ رِضًى وَلاَ رَحْمَةٍ32الَّذينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ اللهِ أَنَّ الَّذينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ الْمَوْتَ لاَ يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يُسَرُّونَ بِالَّذينَ يَعْمَلُونَ


يضع بُوْلُس قائمة الرَّذائل أمام أعيننا، كتفسير للوصايا العشر، ليس لنناقش العبارات على نحوٍ موضوعيٍّ كفَلاَسِفَة، ولا لنقيس الآخَرِيْنَ بها وندينهم بموجبها، بل لنتأمَّل أنفسنا بخوف، ونُدرك مكامن الخطيئة في ذواتنا. إنَّ مَن يعِش بدون الخالق يمتلئ إثماً وظُلماً، لأنَّ روح الشِّرير يأتي بثمار متنوِّعة في مَن خلَت قلوبهم من الرُّوْح القُدُس. فالإنسان يعيش إمَّا فِيْ المَسِيْحِ، أو في الشِّرير، لأنَّه لا توجد منطقة محايدة.
يعتبر يسوع ورسوله بُوْلُس الزِّنا الخطيئة الأولى، لأنّه يُفكِّك رباط الحبِّ الطَّاهر ويُزيل الثِّقة بأمانة القرين الآخَر، فيدخل الإلحاد إلى العائلة، وتسلب الشّهوة الشِّريرة كلَّ مَن لم يُنكر نفسه بقوَّة الله. ومُعظم النَّاس زناةٌ سواء في الفكر، أو القول، أو العمل. فهل تعرف نفسَك؟ إنَّ ضميرك يُكلمِّك بصراحةٍ ووضوح، فلا تُنكر ماضيك، بل أقرّ بما فعلت.
هل تعلم أنَّ الإنسان بدون الله لا يُمكن أن يكون صالحاً أبداً، بل هو شرِّيرٌ. وإنَّ ما يُشيعه أتباع المذهب الإنساني عن قدرة الإنسان على تحقيق الذَّات بدون الله هو محض افتراء. فلماذا يتحدَّث هؤلاء وسواهم من المربِّين عن الإنسانية والتربية والخدمة الاجتماعيَّة، إذا كانت البشريَّة في ذاتها شرِّيرة فاسدة؟ إنَّنا لا نحتاج إلى إصلاح الأوضاع، وتهذيب الأخلاق، بقدر ما نحتاج إلى خلق جديد، وتجديد للقلوب والأذهان.
إنَّ كلَّ مَن لا يَعرف الله يُحبُّ المال، ويَبني حياتَه على هذا المعبود الفاني، فيصبح رصيده المصرفي هاجسه وشغله الشَّاغل. لقد أصبح المال إلهاً إليه تتَّجه الأفكار والطموحات، وفي سبيله يقتتل النَّاس ويُضحُّون بحياتهم ووقتهم، فيُمسون له عبيداً.
وكلُّ مَن يملك فيهم الذِّهن المرفوض يمتلئون خبثاً وحيلةً وانتقاماً ورياءً وكذباً وخداعاً ومكراً. فيتربَّص الخبيث بأعدائه وأصدقائه على حدٍّ سواء، ويُوقعهم في فخاخه، متظاهراً أمامهم بالصَّلاح، فيما قلبه وكرٌ للأفاعي.
والدَّافعُ في الخبيث عادةً هو الحسد. فالخبيث لا يفرح ببركات الله على الآخَرِيْنَ ، بل يُريد لنفسه المستوى نفسه مِن الغنى، ومِن ثمَّ يطلب المزيد، كي يكون هو الأغنى والأجمل والأذكى والمُكرَّم فوق الجميع. إنَّ البخل والحسد هما أصل معظم الشُّرور. وتستغلّ الدِّعاية التِّجاريَّة الحديثة هذه الدَّوافع الخبيثة في الإنسان لترويج بعض السِّلع، فتُذكي نار الطَّمع والاشتهاء في قلوب النَّاس للحصول على هذه السِّلع بأيِّ ثمنٍ.
وروح الخبث والحسد والطَّمع يَدفع بصاحبه إلى القتل والتَّشهير بالآخَرِيْنَ والكراهية. وقد علَّمَنا يسوع أنَّ رفض الآخَرِيْنَ واحتقارهم وكراهيتهم هي والقتل سَواء. لأنَّ نيَّة القتل هي في ذاتها جريمة قتل. ونحن جميعنا في عيني الله قتلة وأبناء قتلة.
عندما نتسبَّب في إحداث انشقاقاتٍ أو تحزُّباتٍ، سواء في عائلاتنا أو في مجتمعاتنا، سُرعان ما يَظهر هذا الرُّوح المُخرِّب في أقوالنا وفي أَعْمَالنا. أمَّا الرُّوْح القُدُس، فيَدفعنا إلى الصّلح والتَّوسُّط بين المتنازعين، لنكون مِن صانعي السَّلام. فهل أنت ممَّن يُسبِّبون اضطراباً وتحزُّباً بين أبناء المعصية؟ أم أنت مِن دعاة الصّلح والوفاق والمسامحة؟ هل تصبّ الزَّيت على النَّار، أم تسعى إلى إخماد نار الفتنة؟
المكر صفةٌ مِن صفات إبليس. وهو ليس مِن صفات إلهنا أبداً. وكلُّ مَن يُنفِّذ مخطَّطاته بِوَاسِطَة الحيلة، مستغلاًّ البسطاء بالكلام المعسول هو ابنٌ للشِّرير، لأنَّ ثمر الرُّوح الإلهي هو الحقّ والصَّراحة والاستقامة والصِّدق. أمَّا الكذب وما يتفرَّع عنه فشرٌّ أصيلٌ.
ومِن ثمار جهنَّم النَّميمة، وتشويه سمعة أخينا الإنسان، بُغية إبراز أسمائنا لامعةً. فشفاهنا مُمْتَلِئة بالسّم، وأقدامنا سبَّاقةٌ إلى الإساءة وارتكاب المعاصي، ونحن في سبيل تخليص أنفسنا وإبراز ذواتنا مستعدُّون لإنكار أقرب الأقرباء، ومُعاداة أحبّ الأحبَّاء.
وكلّ الَّذين يرتكبون هذه الخطايا، سواء قصداً أو دون قصد، يُبغضون الله. لأنَّ مَن يُحبُّ ربَّه يُحبُّ النَّاس أيضاً. فعندما تتكلَّم بطريقة بذيئة عن النَّاس، وتحتقرهم، وتدينهم، يكون الرُّوح الَّذي يتكلَّم منك بهذه السَّيئات هو أنت. تأمَّل إنساناً ما تنكره وتكرهه، واعلم أنَّك مِن خلال بغضك هذا عينه تنكر الله وتكرهه، لأنَّ الله محبَّةٌ، ومَن يَثبُت في المحبَّة يَثبُت في الله، فيغفر، ويُبارِك، ويُحبُّ جميع النَّاس على اختلاف مشاربهم، حتَّى الغوغاء والأعداء والمنبوذين، انسجاماً مع مصدر المحبَّة.
وكما الشَّيْطَان مستكبرٌ في عمق ذاته، هكذا الأشرار مستكبرون. وهم يعرفون في صميم قلوبهم خطاياهم وخبثهم ونقائصهم، ولذلك يعمدون إلى تمويه حقيقتهم الشِّريرة، فيتعالون ويشمخون ويتظاهرون بالأنفة ويَختالون بين النَّاس كالملوك، وهم في حقيقتهم أقلُّ شأناً مِن النَّاس جميعاً، لأنَّهم عبيد لشهواتهم وأطماعهم، مُمْتَلِئون خبثاً وحيلةً، يَظهرون للنَّاس كموهوبين ومُهمِّين، ولكنَّهم يسمعون في قرارة نفوسهم، كُلَّما خلوا إلى أنفسهم، حُكم الله عليهم بكلمة واحدة: "مرفوض".
وهُم بكشفهم ضعفاتِ الآخَرِيْنَ، واستغلالهم لُطفهم، يضاعفون الشَّرَّ بِوَاسِطَة مكرهم وخداعهم. ويَظهر روحهم الشِّرير في عائلاتهم على شكل عصيان. فلا يرضخون لسلطة والديهم، ولا ينظرون إليهم كأولياء الله لهم، بل يطالبون بخشونة بالحرية والمال والاستقلال والحقوق، دون أن يُبدوا أيَّ استعدادٍ للخدمة أو التَّضحية أو المحبَّة أو العمل. وهكذا يدوسون بأقدامهم المحبَّة الَّتي وهبتها لهم الحَيَاة، ويحتقرون والديهم ويُعيِّرونهم بالغباء ونقص الثقافة والمعرفة، غير عالمين أنَّ رأس الحماقة الخطيئة، كما أنَّ رأس الحكمة مخافة الله. فجميع الَّذين لا يخضعون لروح الله لا يفهمون شيئاً كما يليق، بل ينظرون إلى الأمور بمنظار خاطئ، لأنَّهم فقدوا المقياس لأنفسهم وللمجتمع أجمع.
وهم، في هذه الحالة، لا يجدون القدرة على الأمانة في أنفسهم، فيصبحون غير جديرين بالثِّقة. وكذلك لا يستطيع غير المرتبطين بالله أن يتعاونوا مع البشر، لأنَّ أمانة الله تجعل الإنسان أميناً. أمَّا مَن يعيش بدون ربِّه فهو تائهٌ ضالٌّ مسكينٌ.
إنَّ إلهنا هو المحبَّة والرَّحمة والشَّفقة. وويلٌ للَّذين يتركون مصدر كلِّ خير، لأنَّ قلبهم يتقسَّى، فيصبحون محبِّين لأنفسهم ومُبغضين للآخَرين. تأمَّل نفسك يا أخي، هل أنت تحبُّ أعداءك؟ هل تشفق على المساكين؟ لقد تحنَّن يسوع على شعبه المُبدَّد، وتألمَّ مِن خطاياهم. فهل أنت تدين أُمَّتك، أم تحبُّها؟ هل أنت خالٍ مِن الرَّحمة والرَّأفة، أم قد جدَّدكَ روح الله لتَمْثُل أمامه ككاهن ينوب عن الخطاة؟
إنَّ خطايانا كثيرةٌ كرمل البحر. اعرف الله تَعرف نفسك. إنَّ كلَّ مَن ينفصل عن صفات مصدره الإلهي يستحقّ الموت والدَّيْنُوْنَة. فجميع النَّاس أشرارٌ منذ حداثتهم، وأنت تستوجب الموت اليوم لأجل تعدِّياتك وإثمك، وقَدَاسَة الله تقتضي إفناءك. ليس لك الحقُّ في البقاء، فحقوق البشر كذبةٌ كبرى. لا حقَّ لنا إلاَّ أن نموت لأجل خطايانا. إنَّك تجول في بلدتك محكوماً عليك بالإعدام، ليس مِن قبل البشر، بل مِن قبل الله. فمتى تُغيِّر ذهنك، وتتوب توبةً روحيَّةً نصوحاً؟
إنَّك، إن لم تتُب نهائيّاً، تشترك في أشنع الذُّنوب كلِّها، وهي ألاَّ تُفكِّر بالشَّر وتنطق به وتمارسه فحسب، بل تبتهج أيضاً وتُسَرُّ إذا أقدم غيرك على ارتكاب المعاصي. وقد تُضلُّ الآخَرِيْنَ وتُغريهم على اقتراف الإثم وتُعلِّمهم الحرام، فتحمل إليهم عدوى روح الموت. ألا يكفيك أنَّك شرِّيرٌ بذاتك؟ وهل مِن الضَّروريِّ أن تُفسد المجتمع أيضاً؟ انظر إلى نفسك. هل أنت سعيدٌ في خطاياك؟ هل أنت راضٍ عن غلاظةِ قلوب الآخَرِيْنَ؟ ألا تذرفُ دموعَ التَّوبةِ لأجل نفسك وشعبك؟ هل أرشدك روح الله إلى النَّدامة الحقيقيَّة، أم ما زلت متكبِّراً؟

الصَّلَاة
اللَّهُمَّ ارحمني أنا الخاطئ. أنت تعلم أنَّ كلّ نقطةٍ مِن دمي شرِّيرة، وأنَّ الأفكار النَّجسة معشِّشةٌ في خلايا جسدي. أنا إنسانٌ هالكٌ، وأحكامك عادلةٌ يا رب. فتمهَّل بغيظك، ولا تُهلكني بقضائك العادل. غيِّرني وجميع أصدقائي وأقربائي كيلا نسقط جميعاً في جهنَّم. هَبْ لي ولبني أُمَّتي معرفة الخطيئة، فنتجدَّد في قلوبنا وأذهاننا، وتبتدئ فينا خليقةٌ جديدةٌ. ارحمنا حسب رحمتك، وروحك القُدُّوْس لا تنزعه مِنَّا.
السُّؤَال
ما هي الخطايا الخمس، مِن ضمن جدول الخطايا في الرِّسَالَة إِلَى رُوْمِيَة، الَّتي تعتبرها أكثر انتشاراً في أيَّامنا هذه؟