Skip to content

Commentaries
Arabic
رومية
  
ج: الضَّرورة الحتميَّة لشهادة الإِنْجِيْل بين أبناء يَعْقُوْب
(رُوْمِيَة 10: 9- 15)
10:9لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوْعَ, وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللَّهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَات خَلَصْتَ.10لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ, وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ.11لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى.12لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْيَهُوْديِّ وَالْيُوْنَانِيّ, لأَنَّ رَبّاً وَاحِداً لِلْجَمِيعِ غَنِيّاً لِجَمِيعِ الَّذينَ يَدْعُونَ بِهِ.13لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ.14فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ. وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ. وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ.15وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَم, الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ.


ابتدأ بُوْلُس الرَّسُوْل يتقدّم إلى المعركة الرُّوْحيّة مع الكَنِيْسَة المَسِيْحيّة الَّتي مِنْ أَصْلٍ يَهُوْدِيٍّ في روما، فقال لهم إِنّ للكرازة درجات وعناصر متنوّعة. فالإِيْمَان الحقّ يبدأ في القلب، لأنَّ الإنسان يؤمِن بقلبه. ويعني هذا الإِيْمَان أنّ الإنسان بكلِّيَّته، برأسه وقلبه وجسده، يتحّد بِمَن يؤمِن به اتّحاداً مُخْلِصاً.
وإلى جانِب الإِيْمَان، لاَ بُدَّ مِن اعتراف اللِّسان. فالحقّ ينبغي أن يَجْلُوَ الظَّلام.
والإِيْمَان والشَّهَادَة مرتبطان بعضهما ببعضٍ. فالشَّهَادَة تنطق بالإِيْمَان، كي يفهم المستمعون مِن جهة، ويزداد الشاهد نفسُه يقيناً بإيمانه مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.
أمّا ضمان الإِيْمَان الَّذي يقدّمه بُوْلُس نفسه والشُّهُوْد الآخرون للمَسِيْح فله بعض المَبَادِئ والعَقَائِد:

1- يَسُوْع هو الرَّبّ، ويملك الكون، ودُفِع إليه كلّ سلطان. وقد شهد داود بوضوح: "قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ" (مَزْمُوْر 110: 1). ووصف الرَّسُوْلُ يُوْحَنَّا تربُّعَ حَمَل اللهِ بالتَّفصيل (رُؤْيَا يُوْحَنَّا 5: 1- 14). وشهد بُوْلُس، في تمجيده للمصلوب المقام مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات، أنّه سَتَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيْح هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ" (فيلبي 2: 5- 11).
إنَّ العبارة الوجيزة: "يَسُوْعُ هُوَ رَبٌّ" هي لبُّ الإِيْمَان المَسِيْحيّ. ومعناها أنَّ يَسُوعَ الْمَسِيْح إلهٌ حقٌّ في وَحدةِ الثَّالُوْث الأَقْدَس، ويحيا ويملك في انسجامٍ تامٍّ مع أبيه السَّمَاوِيّ.

2- وتمجيد المَسِيْح هذا مبنيٌّ على الحَقِيْقَة أنَّ الله القُدُّوْس قد أقام المَصْلُوْبَ الميت مِنْ بَيْنِ الأَمْوَات حتّى عاش حقّاً. إنَّ قِيَامَة المَسِيْح هي الرُّكن الثَّانِي للإيمان المَسِيْحيّ. فلو لم يقُم ابن الإنسان حقاً، لكان جسده قد اضمحلّ كُلِّياً. ولكنَّه قام مِن قبره واخترق بجسده الرُّوْحيّ الصخور والجدران؛ فيَسُوْع حيٌّ، بينما جميع مؤسِّسي الأَدْيَان قد ماتوا واضمحلّوا. فقِيَامَة المَسِيْح برهانٌ على قداسته وانتصاره وقدرته وخلاصه التَّام.

3- وكلّ مَن يؤمن بهذه الحقائق بقلبه، ويشهد بها بلسانه يخلص. وهذا اليقين يدفع صاحبه إلى الشَّهَادَة بجرأة وفرح أنّ يَسُوْع هو المنتصر، فيشترك بشهادته هذه في حياة المَسِيْح وروحه وسلامه. وكلّ مَن يؤسِّس نفسه على المَسِيْح، ويطمئن إليه، لن يفشل.

4- وفي نموّ هذا اليقين يقول بُوْلُس إنَّ مَن يؤمن بالرَّبّ يَسُوْع المَسِيْح يتبرّر مِن الله القُدُّوْس، ويتحرَّر مِن جميع خطاياه، ويُبرَّأ في الدَّيْنُوْنَة الأخيرة، ويصبح عضواً في أسرة الله الرُّوْحيّة، مُطَعَّماً بجسد المَسِيْح الرُّوْحيّ. فخُلاَصَة هذه الأقوال هي أنّ المؤمن يرتبط بيَسُوْع ارتباطاً ثابتاً إِلَى الأَبَدِ. وأمّا الخَلاَص التَّام والتَّبْرِيْر فيتحقَّقان بِوَاسِطَة شهادة إيمانه بأنّه خَاطِئ متبرّرٌ ومقبولٌ لدى الله. فليست الشَّهَادَة سبب الخَلاَص، لأنَّ التَّبْرِيْر الأساسي يتم بالإِيْمَان فقط؛ أمَّا الشَّهَادَة فتُحقِّق هذا التَّبْرِيْر المنعَم به على الخَاطِئ وتُعمِّقه حتّى ينضج خلاصه عملياً وعلى نحوٍ ملموسًٍ. فالتَّبْرِيْر والخَلاَص مستمَدّان مِن المَسِيْح، وهُما يتحقَّقان بِوَاسِطَة شهادة المؤمن لربّه المخلِّص.

5- وبعد هذا الدَّليل على الإِيْمَان في العَهْد الجَدِيْد، والتَّبْرِيْر الموهوب مِن النِّعْمَة فقط، يُوجِّه بُوْلُس طعنةً نجلاء: فلا فرق بين اليَهُوْد والمَسِيْحِيِّيْنَ إنْ آمنَ كلاهُما بالمَسِيْح وتجدَّد بنعمته. لا يوجد إلاّ ربّ واحد، ومخلّص واحد، وفادٍ واحد لكليهما. واليَهُوْد لا يخلِّصهم إِبْرَاهِيْم ولا موسى، بل يَسُوْع وحده. فخلاصُ المَسِيْح وقدرته وحياته ومحبّته تخصّ اليَهُوْد والمَسِيْحِيِّيْنَ على حدٍّ سواء. وما مِن مصلوبٍ آخَر قد بذل نفسه كفّارة للجميع، إلاّ حَمَل اللهِ الوديع الَّذي رفع خطيئة العالم.

6- عبَّر بُوْلُس بوضوحٍ عن أنّ يَسُوْع غنيٌّ، ويُشرك في غناه الرُّوْحيّ جميع الَّذين يدعونه (رُوْمِيَة 10: 12- 13)، ويَهَبُ روحَه القُدُّوْس، وقوّته الإلهية، ومحبّته الأَبَديَّة لكلِّ مَن يدعوه ساكباً قلبه أمام يَسُوْع المَسِيْح الحيّ شخصيّاً، دون اللُّجُوء إلى القِدِّيْسِيْنَ أو إلى مريم العذراء. وبدون دعوتك إِلَى السَّمَاءِ، وطلبك الخلاص والتَّقديس والفداء لا يحدث لك شيءٌ. النِّعْمَة مشرَّعة للجميع، ولكن ينبغي أن نطلبها (سفر يوئيل 3: 5) فَمِن خلال ممارسة الدَّعوة نَسمع صوت الرُّوْح القُدُس فينا صارخاً: "يَا أَبَا1 الآبُ" (رُوْمِيَة 8: 15- 16).